اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والتأييد الشعبي العربي لعاصفة الحزم تزامن مع تأييد رسمي من قبل قادة الدول العربية في مؤتمرهم الأخير في شرم الشيخ، وما تمخَّض عنه من قرارات تأييد ودعم للإجراءات التي اتخذتها المملكة ودول مجلس التعاون والدول المتحالفة معها بشأن اليمن مع التأكيد على الدعم المطلق لعاصفة الحزم ومؤازرتها والوقوف إلى جانب الحق والشرعية في اليمن، ومواجهة الأطماع الفارسية في المنطقة العربية.
والهمم العالية يتداعى بعضها إلى بعض، ويلتقي أصحابها عند أهدافهم السامية ومقاصدهم النبيلة ضمن إطار الانتماءات الجامعة لهم، سواء انتماءات دينية أو قومية أو وطنية، فهذه الأمة الإسلامية ومراكز الثقل فيها تدعم عاصفة الحزم وتؤيدها أكثر من بعض العرب، مؤكدة على أن الانتماء الديني مقدم على كل انتماء وأن الروابط الإسلامية تمثل روابط مقدسة، لا يدانيها أو يرقى إلى مستواها غيرها متى ما توثقت عراها، وتكرّست مصالح أطرافها، والباكستان هي أنصع دليل وأبلغ شاهدٍ على قوة الدعم وصدق المساندة، أما تركيا هي الأخرى فقد أعلنت تأييدها ودعمها، ورغم أن لها مشروعها في المنطقة إلا أنها تبقى قطباً سنياً فاعلاً ورقماً صعباً في المعادلة، ومد اليد إليها والتحالف معها أمر حتمي لدحر المد الصفوي وكبح القبح الرافضي.
وعلى المستوى الدولي سارع الكثير من الدول الصديقة بما فيها الدول الكبرى إلى تأييد عاصفة الحزم وتصويب قرارها، وتفاعل بعض هذه الدول مع الموقف على نحو غير مسبوق، وذلك نزولاً عند الشرعية والمعاناة الإنسانية، وكان لجودة التخطيط والأداء الاحترافي المميز للحملة الجوية أثر كبير لجلب اهتمام المراكز الرائدة في الغرب والشرق، حتى أن هناك من الخبراء من أثنى على الحملة منذ انطلاقتها الأولى، واصفاً إياها بأوصاف مهنية مميزة، مشيداً بالجرأة والشجاعة التي أظهرها الطيّارون والتي تجلَّت في التركيز الشديد على الأهداف والمفاجأة التامة لها، وذلك هو لب القصف الجوي وجوهره.
ومن نافلة القول إن عاصفة الحزم قبل أن تتوقف وتحقق أهدافها خلطت الأوراق، وغّيرت في قواعد اللعبة وأربكت اللاعبين، كما أنها خلقت معطيات جديدة، وتداعيات كثيرة لها تأثيرها المباشر على الساحة الإقليمية والدولية، وأصبح التعاطي مع هذه الأمور ومتغيراتها يلقي بظلاله على الواقع الجديد الذي فرضته الأحداث، بفضل تناغم سياسة القوة مع قوة السياسة، باعتبار ذلك بمثابة المحرك الأساسي الذي يدفع دولاب العمل العسكري والسياسي والقاسم المشترك الذي يتغذى منهما ويغذيهما.
والتدابير السياسية التي سبقت عاصفة الحزم وواكبتها، آتت أكلها، وطرحت ثمارها في النجاحات السياسية والدبلوماسية التي حققتها المجموعة الخليجية في المنظمة الدولية، والتي تجسدت فيما صدر عن مجلس الأمن من قرارات، وعلى رأسها القرار (2216) الذي وضع الحوثيين وأنصارهم تحت الفصل السابع، وما يعنيه ذلك من تدابير عقابية، وهذا النجاح الدبلوماسي والنصر السياسي، ما هما إلا ثمرة من ثمار علو الهمة والعزم والإرادة والتصميم، ومردود الظفر بهذا الإنجاز يبعث على العزة والكرامة، ويفسح الأمل نحو التخلص من عقدة الهوان وربقة الخذلان.
والتخادم بين القوة العسكرية والسياسة له خصوصية متفرِّدة في عاصفة الحزم لأنها ليست مجرد عملية عسكرية مرحلية، تنحصر أهدافها في الجانب العسكري، بل هي وسيلة لبلوغ الأهداف السياسية المعلنة، ونجاحها يتوقف على تحقيق تلك الأهداف، والعمل العسكري في الحالة اليمنية إذا لم يخدم العمل السياسي بصورة مباشرة ويحقق أهدافه فقد قيمته، مهما كانت فاعليته من الناحية المهنية الصرفة، وانطباق المعايير العسكرية ومقاييس فن المهنة، لأن النتيجة السياسية هي المعوَّل عليها، والنجاحات العسكرية يتعيَّن أن تترجم إلى نجاح سياسي، كما أن حساسية التعامل مع الأهداف وطبيعة المهام المطلوب تنفيذها، تفرض قيوداً على القيادة العسكرية، وتحدد لها حدوداً أمام الزعامة السياسية التي تولي نصرة الشعب اليمني وتخفيف معاناته أولوية قصوى، ورغم هذا العائق فإن براعة المخططين ومهارة المنفذين شهدت لهم بعلو الهمة، والعزم والحزم، وجعلتهم محل إعجاب الآخرين، وانعكست سمعتهم على أمتهم إجلالاً وإكباراً.
وأمام التهديد الفارسي وما ينطوي عليه من مشروع باطني مدمر، لجأ رموز الأمة وأحرارها وحماة دينها إلى ما لا مندوحة عنه من خيارات، وهذه الخيارات لا تسمح لأحد بأن يلتزم الحياد، أو يتجاهل إشاراتها ومؤشراتها، والمؤشرات تحوَّلت إلى مبشرات، فعاصفة الحزم، وما اكتنفها من سياسات، وقابلها من استجابات، وتداعى لها من تداعيات، كل ذلك بقدر ما استثار في الأمة روح العزة والكرامة، وأعاد إليها قدراً من هيبتها ومكانتها، بقدر ما دفعها إلى الائتلاف ونبذ الاختلاف، فها هي دول مجلس التعاون يدفعها الخطر المشترك إلى الالتفاف حول بعضها والاقتراب نحو الاتحاد أكثر من أي وقت مضى، مدركة أن السبيل الوحيد إلى النمو والارتقاء، لن يتأتى إلا عن طريق مواجهة اعداء، والقدرة على الصمود والبقاء، مع استلهام أماني الأمة العربية في تقوية الروابط بين أقطار الوطن العربي، ومحاولة إزالة شيء من الحواجز التي تعترض دون وحدة كلمتها وتكاملها، بما في ذلك إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك ضد العدو المشترك.
وعلى صعيد الوطن العربي، فقد حرّكت عاصفة الحزم الكثير من المياه الراكدة، وتحرَّك معها همم بعد طول سكونها، ولبى دعوتها أحرار استبدت بها غبونها، وعانت كثيراً من شجونها، ولم تعد تحس بالأمن داخل حصونها، والجميع يعلم أن ما يهدد العرب هو الذي يجمع بينهم، وأن الخطر المشترك كان وسيظل أقوى دافع إلى العمل المشترك، والجامعة العربية بعد ما يقارب قرن من تجارب الخذلان، واستحكام مظاهر الذل والهوان، لا مناص أمامها الا النهوض من كبوتها، واليقظة من غفلتها، إذ اتفق القادة العرب على إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك، والعمل على تشكيل قوة عربية لحماية الأمن القومي العربي والقضاء على المشروع الفارسي، واعتبار تحالف عاصفة الحزم مؤشراً من مؤشرات تفعيله.
والتضامن الإسلامي هو الآخر أصبح على المحك إذ إن المنظومة العربية تشكِّل جزءاً من المنظومة الإسلامية، والخطر الفارسي بمدَّه المذهبي، ونهجه الثوري، لم يترك لأحد عذراً في أن يقاوم أهدافه الباطنية، ومقاصده المجوسية، التي تلتقي في نهاية الأمر مع الأهداف الصهيونية، ويخدم بعضها بعضاً، وزمن العزلة والانكفاء على النفس قد ولى، ولا مكان له في عالم اليوم، ويصعب على أية دولة بمفردها أن تحقق نصراً سياسياً أو عسكرياً ما لم يناصرها دول أخرى، سواء في تحالف قومي، أو ديني، أو مصلحي، والاتحاد بين الدول والتحالف بينها، وما ينشأ عن ذلك من تكتلات عسكرية هو الأسلوب الناجح سياسياً وعسكرياً للانتصار على الخصوم، وقد يتحقق النصر بالردع دون الصدام المسلَّح.
والمأمول من عاصفة الحزم، بعد أن توقفت لتبدأ عملية إعادة الأمل لليمن أن تكون درساً لكل العملاء والمتآمرين على أوطانهم، فالحق أقوى حجَّة وأوضح محجَّة، ومن دعا إليه كثر أعوانه، وأسعفه زمانه، والباطل صاحبه مهان، ولا يفارقه الخذلان، والحق يدمغه ويقمعه.