اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وهذه الأقلية غلبت عليها أثرتها،وجعلت من نفسها مطية للأجنبي،ليتخذ منها جسراً يعبر من خلاله لنصب مصائده وتنفيذ مكائده على حساب أمن اليمن وأمن جيرانه،والأمن القومي العربي،وواقع حال هذه العصابة كمن يسرق من مال أهله ويطعم اللصوص،فلا الأهل يسامحونه ولا اللصوص يكافئونه.
والاتفاق الموقع بين الحركة الحوثية وبين ايران على تسيير رحلات جوية بين صنعاء وطهران وما تلاها من اتفاقات اقتصادية معقودة أو مزعوم عقدها هو أبلغ دليل على امتطاء النظام الإيراني للحركة الحوثية ليتدخل في شئون اليمن الداخلية وينتهك سيادتها،كما يكشف بوضوح بعد هذا النظام عن المبدئية واحترام الشرعية،وأن سياسته تنطلق من قاعدة الغاية تبرر الوسيلة،غير مكترث بمنظمة الأمم ولا بمجلس الأمن، وأن ثمة من يتماهى معه، وبينهما تقاطع مصالح وأجندة متفق عليها لتقسيم المنطقة وتدمير شعوبها.
والمتتبع لما يحدث في اليمن يظهر له من صورة المشهد وسياق الأحداث أن هذا البلد أمام ثلاثة احتمالات أحدهما اتفاق الأطراف السياسية على حل سياسي،والثاني انفصال الجنوب وتقسيم اليمن،والثالث اندلاع حرب أهلية، والاحتمالان الأول والثاني يصبان لمصلحة الحركة الحوثية لتصدرها المشهد وتحولها من عصابة متمردة الى مكون سياسي معترف به.
والرحلات الجوية المتفق عليها سوف تستغلها الحركة الحوثية لتكديس الأسلحة واستقدام الخبراء والفنيين من ايران ومع طول الوقت سوف يزداد خطر هذه الحركة ويستفحل أمرها الى الحد الذي قد يفرض على المجتمع قبولها والتعامل معها، وحينئذ يحدق الخطر بدول مجلس التعاون ويحيط بها إحاطة السوار بالمعصم وتدفع ثمن ذلك غالياً من أمنها واستقرارها، وبخاصة أن هناك تهديداً آخر يمثله تنظيم القاعدة في اليمن، والنار يدل عليها دخانها.
والحركة الحوثية والقاعدة هما تنظيمان إرهابيان وكل واحد منهما له أهداف ظالمة وعقيدة شاذة وفكر منحرف، إلا أن الأولى دفعتها أثرتها المفرطة الى رفع شعار التابع والمتبوع،فسخَّرت نفسها لخدمة دولة أجنبية لها مشروع خطير وهدف شرير، وضحت بوطنها وأمتها بسبب نظرة عنصرية ضيقة، وتحيز مذهبي بغيض، ونزعة انتمائية خبيثة يرعاها زمرة من الغلاة المحرِّفين والمنتحلين المبطلين والمؤولين الجاهلين.
وينبغي ألا يغرب عن البال أن تهديد الدولة العبرية هو تهديد أزلي أبدي له أهداف جيوسياسية،ومشروع استيطاني استعماري،ترعاه أمريكا والدول الغربية،وخطورة هذا التهديد مردها أنها امتداد للصراع العربي الإسرائيلي الذي تتمحور حوله القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب المحورية، ودور المملكة في هذه القضية يجب أن يتناسب مع مركزها الديني وثقلها العربي والإسلامي ووزنها الإقليمي والدولي.
وهذا التهديد ينصب في الدرجة الأولى على الدول المجاورة لإسرائيل ثم ينعكس ذلك على الأمن القومي العربي،وقد تبدلت أولوية التهديد الإسرائيلي،وتركز داخل فلسطين لقيام النظام الإيراني والتنظيمات الإرهابية بالدور المطلوب منه وتشرذم الدول العربية وتخليها عن دورها الديني والقومي، والشاهد على هذا الواقع أن العرب هم العدو المشترك، والتخادم بين إسرائيل وإيران هو تخادم قديم جديد والقناع الإسلامي الزائف والمذهب الصفوي هما العاملان اللذان يوفران لها أذرعاً تمهِّد لها الطريق لاستباحة المنطقة العربية تحت ستار من شعارات المقاومة والعداوة القولية المناقضة للفعل، وشعارات الحزب الرافضي في لبنان والحركة الحوثية في اليمن أكبر دليل على هذا النهج الباطني والأسلوب المجوسي وما يمارسه هؤلاء الرافضة من سفك دماء المسلمين وادعاء عداوة أمريكا وإسرائيل.
وهناك مهددات جانبية ذات أهداف سياسية، وهذه المهددات من المتعين عدم اغفالها، ولكن ليس من الحصافة السياسية والعقيدة الدينية عند المقارنة بين المهددات والأخطار المترتبة عليها توجيه الجهود وجل الاهتمام لمقاومة خصم سياسي، والنظر الى التهديدات الإيرانية الصادرة عن عدو في العقيدة باهتمام أقل مع التعامل معها على استحياء، بل ربما وصل ضعف الانتماء الديني والقومي والبعد عن الحصافة بالبعض الى مساعدة العدو الأيديولوجي على الخصم السياسي.
وخلاصة القول فإن التهديد الإيراني بدأ بطموح إيران في أن تكون لها السيادة في الخليج واليد الطولى على مياهه، وتهديد الدول المطلة عليه منذ القدم، ولكن بعد اندلاع الثورة الإيرانية اتخذ هذا التهديد شكلاً جديداً، ونحى منحى خطيراً، وانطلقت شرارة المد الثوري،وتم استهلال المشروع الإيراني عن طريق وضع استراتيجية نشر المذهب وتصدير الثورة،وذلك باستخدام الوسائل الناعمة تارة،والعنيفة تارة أخرى،واقترنت البندقية بالتقية،وتشكّلت أذرع إيران العسكرية في أكثر من مكان.
وبعد الاحتلال الامريكي للعراق وتمكين النظام الايراني من السيطرة عليه طرأ على المشهد بعداً أكثر خطورة، وتجسدت مظاهر هذا البعد على أرض الواقع،وبرزت ملامح الهلال الشيعي،وأصبح أمن المملكة ودول مجلس التعاون والأمن القومي العربي أكثر تهديداً من أي وقت مضى.
وفي حرب النظام السوري على شعبه سارعت إيران كعادتها لاستغلال الفراغ وتدخلت الى جانب النظام النصيري تدخلاً عسكرياً سافراً، علاوة على تدخلها السياسي والاقتصادي، وأحكمت سيطرتها على سوريا كما سبق أن أحكمتها على العراق بالإضافة الى وجودها في لبنان وهو وجود يقود الى الويل والثبور واستفحال الشرور.
وها هو النظام الايراني ينتقل الى اليمن لملء الفراغ الذي نتج عن تمرد الحركة الحوثية وانقلابها على النظام الشرعي، وقد نجم عن هذا الانقلاب والاستيلاء على العاصمة اليمنية وعدداً من المحافظات من قبل الحوثيين، فتح الباب أمام الإيرانيين للتدخل في شئون اليمن وجره الى حرب أهلية يكون السنة وقوداً لها والربط بينهم وبين تنظيم القاعدة لتبرير النزعة الانتقامية وكسر شوكة الأكثرية كما حصل في العراق وسوريا، فضلاً عما يترتب على هذا التدخل من السيطرة على باب المندب وإلحاقه بمضيق هرمز، وهذا الوجود الإيراني يشكّل تهديداً مباشراً لأمن المملكة ودول مجلس التعاون، ويضع مستقبل الأمن الخليجي والأمن القومي العربي على المحك.
وقابلت المملكة ومعها دول مجلس التعاون التهديد الإيراني باتباع سياسة النفس الطويل والتعامل معه من خلال سياسة هادئة ومتزنة، ولم تقابل المشروع الإيراني في المنطقة بمشروع مضاد، ولم تتدخل في شئون إيران الداخلية، والتزمت بمبدأ حسن الجوار.
والمملكة لديها القدرة على تهديد أمن دولة إيران، وزعزعة استقرارها في عُقر دارها، والتدخل في شئونها عن طريق مناصرة السنة وتحريض الإثنيات المضطهدة داخل إيران، مقابل التدخل الإيراني المكشوف في شئون الدول الخليجية، وتهديدات إيران المستمرة وممارساتها الظاهرة والمستترة، ولكن المملكة اكتفت بالمحافظة على أمنها دون اللجوء الى الأخذ بسياسة أمن التهديد مقابل تهديد الأمن، لما في ذلك من التصعيد المتبادل الذي يضر بأمن المنطقة وينال من استقرارها.
وتعامل دول مجلس التعاون مع ما يحدث في اليمن برويَّة وصبر وحذر، هو تعامل ناجم من حرص هذه الدول على وحدة اليمن وأمن شعبه، وسلامة أراضيه، وتجنيب هذا البلد من الوقوع فيما وقع فيه الشعبين العراقي والسوري، واللحاق بركب التقتيل والتشريد والتدمير، والنظام الإيراني لا يهتم بذلك، ولا يفكر فيه حيث إن الوصول الى أهدافه ومآربه، تدفع ثمنها الشعوب المستهدفة،قتلاً وتهجيراً وتدميراً، ولا مقارنة بين مَنْ يحرص على البناء والتعمير ومَنْ يجد مصلحته في الهدم والتدمير.
والآن وقد فاض الكيل وبلغ السيل الزُبى وأصبحت دول مجلس التعاون داخل دائرة التهديد الإيراني المباشر، لم يبق أمامها إلا خيار المواجهة سياسياً واقتصادياً وأمنياً للحفاظ على أمنها ومستقبل شعوبها، وتبدأ المواجهة بإصلاح البيت الداخلي والتفاف دول المجلس حول بعضها واتحادها وتوحيد كلمتها، وقد حان الوقت لنبذ الخلافات وتجنب السياسات العقيمة والممارسات الذميمة،والانطلاق من هذه القاعدة الى مد جسور التواصل مع الدول العربية، وإحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك، وإقامة حلف سني إسلامي يجمع الدول السنية الفاعلة لدحر التمدد الصفوي وكبح جماح الرافضة ورد كيدهم في نحورهم.
وهذا التوجه تؤكده قيادة المملكة هذه الأيام، وتجسده في صور حية لا تخطئها العين من خلال تقاطر الوفود على الرياض، وجعلها قبلة يقصدها الزوار ومحل اهتمام عربي وإقليمي ودولي مجددة بذلك دورها الطليعي ومكانها القيادي ومركزها الريادي، بما يتفق مع مكانتها الدينية وثقلها الاقتصادي ووزنها السياسي وموقعها الاستراتيجي.
والواقع أن المهددات الوافدة والأحداث المشاهدة، فيها تذكير بما يعانيه غيرنا من صروف الزمان، وما ننعم به من الأمن والأمان، وبقاء النعمة يستدعي شكرها، ولا يمكن المحافظة على نعمة الأمن إلا بالوقوف في وجه الخوف وإزالة أسبابه أو التخفيف منها، عن طريق تكريس الأمن وترسيخ أركانه، وذلك بالتسلح بأسلحة مادية ومعنوية ذات مرجعية دينية وأخلاقية، وقد قال الشاعر:
وإذا الفتى ظفرت يداه بنعمة
فدوامها بدوام شكر المنعم
وما يطوِّق حدودنا من تهديدات ويحاك ضدنا من مكائد يحتم علينا أن نكون على قلب رجل واحد، وأن نصطف خلف قيادتنا، وندعو الى الوحدة والتآزر ونبذ الفرقة والتنافر، كما يتعين توعية الأجيال الناشئة بصدد ما يلوح في الأفق من أخطار لكي يكتسب الجميع حصانة ضد أبواق الدعاية الفاسدة،وكل ما يقال في المواقع التحريضية الحاقدة، ويشمل ذلك ترويج الأفكار المستوردة، والانسياق خلف الشعارات المغرضة،وما تنشره وسائل الإعلام المأجورة ويدعو إليه أصحاب الفكر المتطرف.
والجبهة الداخلية إذا ما صلحت أحوالها والتأم شملها على كلمة سواء، فلن يستطيع أحد النيل من وحدة الوطن،وبث السموم في المجتمع، بهدف التفرقة بين فئاته وشرائحه،وإثارة التفرقة في المجتمع المحصن دينياً وثقافياً تعتبر أمراً يصعب تحقيقه بإذن الله لاستحالة اختراق الجبهة الداخلية نتيجة لترابطها وتماسك نسيجها ومتانة اللحمة الوطنية فيها وقوة الانسجام بين قمة الهرم وقاعدته، واعتبار ذلك عصياً على كل من يصطاد في الماء العكر، وما ينطبق على الجبهة الداخلية في المملكة ينطبق على شعوب دول مجلس التعاون،فالهموم متجانسة، والأهداف مشتركة، والمصالح متبادلة، والمصير واحد، ومصادر التهديد واحدة.