اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وعلى الجانب المهني فإن الحملة الجوية لقوات التحالف التي تقودها المملكة حققت في ضربتها الجوية الأولى مبدأ المفاجأة التي هي نصف النصر، وذلك على المستوى الاستراتيجي؛ إذ نجحت في إخفاء نية الضربة، إضافة إلى النجاح في إخفاء الحجم والوقت والاتجاه، وهذا الإنجاز ما كان له أن يحصل لولا دقة التخطيط واتباع إجراءات صارمة وتدابير مضنية وعمل استخباري استثنائي؛ الأمر الذي جعل أعظم الدول تقانة ومهنية تُفاجأ بالعملية بعد وقوعها، وتشيد بها وبمن نفذها.
والضربة الجوية المركزة والمفاجئة في بداية العمل العسكري هي التي تمهد الطريق نحو النجاح، وتضمن إحرازه، وبفضلها تتجه الأمور إلى الحسم بسرعة. ولا يمكن أن ينطبق هذا الوصف على الضربة الجوية إلا إذا سبقها تحضير دقيق وتدريب مكثف مع توافر المعلومات الكاملة والمؤكدة لضمان قوة الصدمة وهز اتزان الخصم، كما حصل للقوة الحوثية والمتحالفين معها.
وتوالت الضربات والقصف الجوي تبعاً للبرنامج الزمني والمواعيد المتفق عليها والأهداف المحددة، واستمرت بوتيرة ذات مستويات مهنية عالية، تكشف عن براعة المخططين ومهارة المنفذين واختيار الأهداف بعناية فائقة، وترتيبها طبقاً لخطورتها ودرجة أهميتها وأسبقية استهدافها دون إلحاق أي أضرار بالسكان والمساكن والبنية التحتية والمنشآت المدنية.
وبفضل امتلاك هذه الحملة للسيادة الجوية فرضت حظراً جوياً على كامل الأجواء اليمنية، ووفرت غطاءً أمنياً للقوات السطحية التي تسيطر على المنافذ البحرية والبرية، والسيادة الجوية على المسرح من ألزم لزومياتها تزويد القوات الجوية بالأنواع الحديثة من الطائرات المتعددة المهام التي تشن الهجمات ضد الأهداف الأرضية، وتدير المناورات الجوية بمستوى عال من الكفاءة، وبناء هذه القوة ذات الأمدية العملية الطويلة والحمولات القتالية الثقيلة والمزودة بأحدث معدات التوجيه المختلفة ذات التقانة الرفيعة لا بد أن يتوافر لها أفضل الكفاءات البشرية وأحدث المعدات، فضلاً عن الخدمة الأرضية المتميزة ومراكز القيادة والسيطرة المجهزة، وكل ما من شأنه اكتمال مقومات شن الضربات الجوية الناجحة التي تستطيع التركيز الشديد والمفاجأة التامة، وهما عنصرا النجاح الأساسيان لهذا النوع الحاسم من الهجوم الجوي.
ومضى على عاصفة الحزم أكثر من أسبوع والقوات الجوية تؤدي دورها، وتنجز مهامها على أكمل وجه وبأفضل صورة، حسب ما هو مخطط لها. وتحقيق الأهداف العسكرية المرسومة للقوات الجوية هو الضمانة الأكيدة لبلوغ الأهداف السياسية النهائية التي تتمثل في الاعتراف بالشرعية، وإعادة الأسلحة المنهوبة، والالتزام بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني والدستور اليمني، والكف عن تهديد دول الجوار، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن.
والعمل على الأرض أمر لا بد منه، لكن يتحتم أن يقتصر في بداية الأمر على قوات يمنية، يتم الإسراع بإيجاد قيادات لها، وتشكيلها وتسليحها وتدريبها تحت إشراف مباشر من قِبل كوادر مؤهلة من قوات التحالف، مع ملاحظة أن هدف العصابة الحوثية هو السيطرة على الشعب؛ الأمر الذي يتطلب تشكيل قوة تستطيع التعامل مع هذه العصابة لهزيمتها من جهة، وفصلها عن السكان من جهة ثانية، وتحويل أي تعاطف معها إلى استهجان وإدانة من جهة ثالثة، وبسط سلطة الحكومة الشرعية من جهة رابعة.
وهذه القوة يتعين أن تكون قادرة على الحركة وكيل الضربات الموجعة، وامتلاك الوسيلة الناجعة للتمسك بالأرض، خاصة أن العدو عبارة عن عصابة تجيد المقايضة بالمكان مقابل الوقت، والتمسك بالأرض وفرض الأمن هما الهدف الأساسي لأية عملية تقوم بها القوات، والعمل العسكري ما هو إلا وسيلة لبلوغ الهدف، وبمجرد الاستيلاء على الموقع وتطهيره يتم تسليمه إلى السلطة المدنية، وهكذا دواليك حتى انتهاء المهمة وإعادة الاستقرار واستتباب الأمن.
ورغم أن الإيجاز اليومي يوضح معلومات وافية عن الحملة الجوية إلا أن الجرائم التي يرتكبها الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع في حق المواطنين، والرماية الطائشة التي يطلقونها من هنا وهناك، كلها ممارسات آثمة، يسهل استغلالها والإساءة من خلالها إلى عاصفة الحزم، والتأثير سلباً على مشاعر المواطنين المتعاطفين معها؛ الأمر الذي يستدعي وجود إعلام مضاد ينطلق من الداخل لتفنيد المزاعم الكاذبة ودحض الشائعات والأراجيف التي تروِّج لها أبواق الظلام ودعاة الضلال من داخل اليمن وخارجه.
والأهداف التي تبنَّتها عاصفة الحزم في اليمن يتعيَّن أن يكون على رأسها استئصال شأفة الحوثيين والرئيس المخلوع وزمرته، والإصرار على هذا الهدف من قِبل دول التحالف حتى تحقيقه، دون أن تتنازل عن هذا الهدف قيد أنملة، أو يحول بينها وبينه حائل؛ فهؤلاء القتلة لا يقتصر خطرهم على زمنهم بل قد يمتد إلى أزمنة تالية، وكفى بالتجارب واعظاً، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ونحن نلدغ كل يوم، والأعداء كُثر والفرص لا تتكرر، واحترام الوقت مطلوب، وخيار المواجهة لا بديل عنه، والمبادرة إذا لم يحافظ عليها انتقلت إلى الخصم.
والطائفية مرفوضة، والتحيُّز المذهبي ممقوت، والفرس ومن يدور في فلكهم هم الذين يرفعون شعار الطائفية، ويدعون إلى نشر المذهب الرافضي، وتصدير الثورة الباطنية، ويتنصلون عن فعلهم، وينسبونه إلى السنة تحت مسميات ونعوت يطلقونها على عواهنها زوراً وبهتاناً، في حين أن أهل السنة والجماعة هم أمة الإسلام وبهم تأسس تاريخه، وعليهم قامت حضارته.
وترتيباً على ذلك فإن أشد أنواع الخوف هو الخوف من الخوف والتهرب من قول الحقيقة. وإن أسوأ ما يُبتلى به الإنسان، سواءً أكان سيداً أو مسوداً، هو الخجل من أن يعتد بمذهبه ودينه أو يدافع عن ذلك، فيتكلم عن هذا الأمر على استحياء، أو يصل به الخجل والضعف إلى التهرب من أن يشار إليه بالبنان أو يشير هو ببنانه إلى نفسه. وينطبق هذا على شاغل المنصب الذي يخجل من ممارسة مهام منصبه، ويتردد أمام الآخرين من أن يقول هاأنذا.
وعوداً على بدء، فإن عاصفة الحزم تستمد قوة عصفها من مشروعية وصفها، وتوافر مبرراتها، واستنادها إلى أسس شرعية وقواعد قانونية. والنجاح المترتب عليها يعود إلى المبدئية من جهة، والمهنية والاحترافية من جهة أخرى. والحزم لا يكون حزماً إلا إذا كان المتصف به ينطلق من منطلق مبدئي بحيث يكون صابراً حليماً مترويًّا، وحتى يطرح الحزم ثماره ينبغي أن يبدأ من أعلى الهرم القيادي، وينزل إلى قاعدته، كما هو الحال في عاصفة الحزم؛ إذ إن الاتصاف بالحزم إذا لم ينبع تياره من المستوى الأعلى، ويتدفق عبر المستويات الأدنى بشكل تنازلي، فإنه يصبح عديم الفائدة، ويتحول الحزم إلى اضطراب وارتباك.