اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والواقع أن الحزم صفة لا غنى عنها لمن ينشد النجاح، والاتصاف بها يعد مطلباً ضرورياً في سبيل إنجاز المهام وبلوغ الأهداف، ومَنْ يقِلُّ حظه من هذه الصفة يكون عرضة للفشل وتنهال عليه المكاره، وكلما اشتدت المواقف، وتأزمت الأمور ، كلما استدعت الحاجة إلى التحلي بالحزم، ورغم أن له مواضع يبرز فيها إلا أنه صفة أكثر إلحاحاً للزعماء والقادة، وله سمات تلازم أربابه في حالتي الخوف والأمن وفي وقت الحرب وزمن السلم، وقد قال الشاعر:
لا تترك الحزم في أمر تحاذره
فإن أمنت فما في الحزم من بأس
والقائد الحازم يحرص دائماً على أن يكون قراره حاسماً، وعزمه صارماً، و تظهر عزيمته فيما يصدره من أوامر عن طريق إصدارها في هيئة حاسمة، وتنفيذها بصورة حازمة، مع استمرار وتيرة هذا الحزم من بدء إعداد الأمر وإصداره حتى نهاية التنفيذ. والعاقل يأخذ من الأمور بأحزمها، ومن التجارب بأحكمها، والفرق كبير بين حال الحازم في حزمه وعقله، والمُضيِّع في تفريطه وجهله، حيث إن العاقل الحازم يعرف الأمور وهي مقبلة، منتهزاً الفرص، وحاسباً حساب النتائج وعواقب الأمور، أما غير الحازم فيُضيِّع فرصته ويفوت عليه الأوان، منطبقاً عليه ما ينطبق على الجاهل الذي لا يعرف الأمور إلا بعد إدبارها، وكما قال الشاعر:
وانتهز الفرصة أن الفرصة
تصير إن لم تنتهزها غصةً
وقال آخر:
العجز ضُرٌ وما بالحزم من ضرر
وأحزم الحزم سوء الظن بالناسِ
ومن اعتاد اليقظة وجعل منها نبراساً، ودأب على انتهاز الفرصة واتخذ منها أساسا، ً هانت عليه عظائم الأمور واستعد لمواجهة الشرور، ولم تفاجئه الصعاب، وانفتح له كل باب، مدركاً أن الماضي لا يُرد، والمستقبل ليس في اليد، واستشراف هذا المستقبل والإعداد والاستعداد له من الحزم والعزم وعلو الهمّة ولله درّ القائل:
وموسمك الأيام ليتك حازماً
وإلا فذو التفريط لا شك يخسرُ
وانتهاز الفرصة واستغلال الوقت هو أحد مفاهيم الحزم في الحياة العامة، وكل مَنْ يتطلّع إلى النجاح مهما كانت طبيعة عمله ومرتبته أو رتبته يجد نفسه في مسيس الحاجة إلى هذه الصفة، ولكنها أكثر لزوماً وأشد ضرورة للزعيم السياسي والقائد العسكري، بوصف الحزم يمثل إحدى الصفات التي يتوقف عليها نجاح أي زعيم أو قائد على أي مستوى ، فضلاً عن ما لها من دور بارز على صعيد تأثير الشخصية ، وتطور هذا التأثير إلى نوع من الجاذبية، وبمجرد أن يرتفع المقام بشاغل المنصب، ويحتل أعلى مكان في هرم السلطة فإنها تزاد الأعباء الملقاة عليه والمطلوبة منه تبعاً لذلك، نظراً لما يتحمله من مسئوليات جسام، وما يوكل إليه من مهام عظام، لها تأثير بالغ على مصير الأمة ومستقبل الوطن ومصالحه العليا.
والملك سلمان القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية قبل أن يضطر لاتخاذ قرار عاصفة الحزم لم يترك وسيلة إلا توسلها، ولا طريق إلا طرقه في سبيل ردع العصابة الحوثية عن غيِّها ، ومنعها من الذهاب بعيداً في انقلابها، والتمادي في مراهقتها السياسية واللعب بالنار ولكن الأثرة المفرطة والتفكير الظلامي والاستقواء بالأجنبي دفع هذه العصابة إلى الإمعان في ممارساتها واستفزازاتها وتجاوزاتها حتى وصل بها الصلف إلى التعدي على حدود المملكة وانتهاك حرمة الجوار والعبث بأمن الحدود.
وتهديد أمن اليمن هو تهديد لأمن المملكة ودول مجلس التعاون والأمن القومي العربي، والوجود الإيراني على الأرض اليمنية، لا يمكن قبوله لاعتبارات إستراتيجية وأسباب مصيرية لا تقبل المساومة ولا تحتمل أنصاف الحلول، وقد أكدت قيادة المملكة ومعها قادة دول مجلس التعاون على هذا الأمر مراراً وتكراراً داعين إلى نبذ العنف ومؤكدين على حل الأزمة بالطرق السلمية بالشكل الذي يخدم أمن اليمن وأمن جيرانه ومحيطه العربي، وينأى به عن الطائفية والدخول في فلك النظام الإيراني الباطني الشاذ، واصطدمت الدعوات السلمية والرغبات المخلصة بجدار الرفض الحوثي المُصِرْ على الحل الأمني، والغوغاء لا يستغرب منها ضلال الأهواء، ولا يستنكر على الرعاع سوء الطباع، فهم أجرأ الناس إذا طمعوا وأخبثهم إذا قُمِعُوا.
ومجلس التعاون والجامعة العربية ومجلس الأمن باءت جهودها بالفشل، وقرارات مجلس الأمن ذهبت أدراج الرياح والدعوات السلمية لم تجد آذاناً صاغية والتحذيرات من العواقب لم تصادف عقولاً واعية، وشمل العنف جميع محافظات اليمن بما فيها عدن، والسلطة الشرعية بين مطارد ومعتقل، والتدخل الإيراني بلغ مراحل متقدمة، وكل المحاولات السلمية انتهت إلى طريق مسدود أمام تعنُّت الحوثيين، عندئذ لا مناص من العمل العسكري إذ لم يكن غير الأسنة مركب وصدق من قال:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب
فلا رأي للمضطر إلا ركوبها
وإذا كانت الألقاب تنزل من السماء، والصفات تتجسد قيمتها، ويثمر مفعولها بحسب قدرة المتصفين بها على ترجمتها إلى أفعال وتنفيذها على أرض الواقع، وقدرة من يمتلك الصفة على وضعها في قالب تنفيذي، وإطار عملي يمكن من خلاله الربط والموازنة بين صفات الموصوف ومقدرته التنفيذية، فإن عاصفة الحزم لها من اسمها نصيب حيث إنها عصفت بأهل الغدر، وأسكتت أبواق التقية والمكر، وفتحت الأبواب نحو النصر، وتداعى لها التأييد من كل حدب وصوب كما تؤكد ذلك ردود الأفعال الرسمية والشعبية، وما حظيت به وتحظى به من مباركة وقبول حسن من قبل الدول العربية والإسلامية والصديقة، وهذا القبول والتأييد يعود إلى مشروعيتها وعدالتها ووضوح أهدافها وجنوحها إلى السلم، وواقع الحال ولسان المقال يثبت أن طريق المغانم غالباً ما يمر عبر المغارم، وأن الحصول على النعم عادة ما يتم من خلال معاناة النقم وقد قال الشاعر:
ولكل حال مُعقِّب ولربما
أجلى لك المكروه عما يُحمد
ومن هذا المنطلق فإنه عندما أطلق القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية اسم عاصفة الحزم على العملية العسكرية الجارية في اليمن، لم يكن هذا الاسم وليد الصدفة، ولم يتم اختياره باعتباره مجرد اسم لعملية عسكرية عادية، بل أتت التسمية نتيجة لتفكير عميق وعقلانية متأنية، وذلك وفقاً لحيثيات مبدئية وأسس شرعية، فرضتها أهداف العملية والظروف والعوامل المؤثرة فيها ومبررات القيام بها، فهذا الحزم لا يشان بهفوة، والعزم لا يخان بنبوة، إذ أنهما بنيا على فضائل قيادية، وانطلقا من منطلقات إنسانية تتمثل في: الحلم والصبر والأناة والحذر، وهي فضائل لا تستقيم مبدئية الحزم بدونها، ولا تتحقق فضيلته في غيابها، لأنها تبعث على الطمأنينة عند اتخاذ القرار لجميل الاعتقاد وحسن اليقين بأن القرار صحيح واختياره صائب وتوقيته مناسب وكما قال الشاعر:
الحزم قبل العزم فأحزم وأعزم
وإذا استبان لك الصواب فصمم
واستعمل الرفق الذي هو مكسب
ذكر القلوب وجِدَّ واحملْ واحلم
وعاصفة الحزم تمت تحت غطاء قانوني وسياسي على المستوى العربي والأممي ولم يُتخذ القرار ببدء حملتها الجوية إلا بعد تعثر المساعي السلمية وفشل الجهود السياسية بسبب صلف الحوثيين، وإصرارهم على مواصلة الانقلاب على السلطة الشرعية واعتقال رموزها، والاستيلاء على أسلحة المؤسسة العسكرية، واستباحة مؤسسات الدولة، وتجاهل قرارات مجلس الأمن بهذا الشأن، وكان ذلك استجابة لطلب الرئيس الشرعي ولرد الباغي ونجدة المبغي عليه، ومن أجل أمن اليمن واستقراره وحماية شعبه، ولضمان أمن حدود المملكة وتأمينها ضد الانتهاكات المتكررة من قبل الحوثيين.