محمد آل الشيخ
يبدو أن الأفاك الشهير «حسن نصر الله» بدأ يشعر بدنوِ سقوطه، وسقوط حزبه، وهو يرى عاصفة الحزم تحشر الفرس وأذنابهم من أقرانه في زاوية ضيقة ومعزولة. المنتصر سيفرض شروطه كما يقول التاريخ، ونحن قاب قوسين أو أدنى من الانتصار؛ وإيران تعاني الأمرين والهزائم المتلاحقة، ليس في اليمن الذي تركت حلفاءها فيه يواجهون مصيرهم المظلم بأنفسهم فحسب، وإنما -أيضا- في سوريا مع حليفهم الأسد، حيث يتسابق فيها الثوار للفوز بقطف الثمرة وإسقاط النظام، وكذلك في العراق منزوع السيادة من قبلهم؛ فلا يكاد جيشه المنهك يُحرر أرضا من الدواعش، حتى يعودون ويحتلون أرضا جديدة غيرها، وهكذا دواليك. العقلاء الإيرانيون يدركون تمام الإدراك أن استمرارهم في الصرف على حروب ونزاعات عسكرية في المنطقة بلا حسم ولا حتى ما يشير إلى قدرتهم على الحسم، سيأخذهم ويأخذ اقتصادهم المتهالك بسبب العقوبات الدولية إلى تراكم الاختناقات وتزايد الضغوط الشعبية من الداخل. (اتفاقية لوزان) التي عول عليها الإيرانيون كثيرا لا يبدو أنها ستصل بهم إلى الخلاص من معاناتهم الاقتصادية قريبا كما كانوا يُؤمّلون؛ فالعقوبات لن ترفع تلقائيا، وإنما تدريجيا، وخلال مدد تعتبر في حسابات اقتصادييهم طويلة؛ لهذا لامناص من مواجهة الحقيقة المرة، والتصرف على ضوئها بموضوعية، وهذا يعني بالضرورة أن عليهم إعادة هيكلة نفقاتهم المالية بما يتواكب مع مآزقهم الاقتصادية المتفاقمة.. إعادة هيكلة النفقات المالية هو الحل الذي لا حل غيره، لتتعامل بموضوعية مع الأزمة، خاصة وأن ثمة مؤشرات على أرض الواقع تشير إلى أن الشعب الإيراني المغلوب على أمره بدأ يتململ، وسيثور حتما، فيما لو أصر الملالي الراديكاليين على المكابرة والتورط أكثر في نزاعات إقليمية وخزينتهم شبه خاوية.
نصر الله يدرك ذلك جيدا، ويعرف أن حزبه، ومصاريفه أصبحت عبئا ثقيلا على خزينة إيران؛ وأن بقاء الأمور كما كانت عليه، هي ضرب من ضروب المستحيل؛ وكما تخلى (الاتحاد السوفييتي) قبيل تفككه وسقوطه عن كثير ممن كان يمولهم ويساندهم بسبب الضائقة الاقتصادية عليه آنذاك، سيضطر الإيرانيون - أيضا - مرغمين إلى نهج الأسلوب نفسه، أو قريب منه، ما يجعل المستقبل، وما سوف يتمخض عن (عاصفة الحزم) من متغيرات إقليمية، سيُشكل لنصر الله وحزبه، ما يمكن أن نطلق عليه مرحلة أفول وهج الحزب، ووهج ما يُسمى في لبنان (تيار الممانعة)، وهو ما يقض مضاجعهم على ما يظهر.
هذا ما نقرأه بجلاء في التعامل الإعلامي والخطابي المنفعل من قبل نصر الله وإعلام حزبه، مع مجريات عاصفة الحزم، وارتباكهم الواضح في التعليق على العاصفة وتحليل مؤشرات الأنباء القادمة من اليمن وقراءة مؤشراتها ورصد تبعاتها؛ بمنطق غوغائي، وأحيانا رغبوي، لا يمت للمنطق السليم بصلة؛ فعلى ما يبدو أنها فاجأتهم ولم تكن من ضمن حساباتهم وتوقعاتهم، وبالذات تعليقاتهم (المضحكة) على مأزق أقرانهم الحوثيين؛ سيما بعد أن اصطف العالم مع المملكة والمتحالفين معها، في وجه حلفاء إيران في اليمن، بعد قرار مجلس الأمن الأخير؛ وغنيٌ عن القول إن هذا الاصطفاف، وهذه المتغيرات على الساحة، لا بد وأن تنعكس على تعاملات إيران الإقليمية وتقيدها وتكبح من جماح الحركات والأحزاب التابعة لها، بما يجعل مستقبل حزب الله ومصير آلته العسكرية، وبالذات نفقاتها المالية الضخمة، محل تجاذب وأخذ ورد، بين راديكاليين إيرانيين يصرون على إبقائها كما هي عليه مهما كلف الأمر، وإصلاحيين يطالبون بإخضاع تكاليفها إلى مراجعة وتقييم وتحجيم؛ وفي حالة انتصار الإصلاحيين في إيران، وابتعاد الراديكاليين عن صناعة القرار، كما هو متوقع بعد (عاصفة الحزم)، فإن نهاية كئيبة ومظلمة تنتظر نصر الله، وحزبه معه، لا يعرف أحد إلى أين ستنتهي به وبنفوذه وقوة حزبه على الساحة اللبنانية، وبالذات بعد أن تورطوا بشكل مباشر في مجريات الحرب الأهلية السورية، التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة.
سقوط الحوثيين في اليمن ورفعهم الراية البيضاء أصبحت وشيكة؛ ونصر الله وحزبه سيدفعون - قطعا - ثمن هزيمة أولئك الذين لم يقدروا الأمور حق قدرها في اليمن من أقرانه الأذناب، وكذلك ثمن تقليم أظافر الإيرانيين في المنطقة؛ لذلك كله، فإن من المؤكد أن نهاية مؤلمة سيحملها المستقبل له ولحزبه وكذلك للمتحالفين معهم؛ وهذا ما جعل خطبه وجعجعاته تتزايد بشكل ملحوظ في الأسبوع الماضي؛ فهي بمثابة العويل والصراخ؛ والصراخ - كما يقولون - على قدر الألم؛ وهل ثمة أشد ألماً من السقوط من شاهق ثم التلاشي على مثل هذا المهرج الأفاك؟
إلى اللقاء.