د. عبدالرحمن الشلاش
مصطلح «الارتزاق» أو البحث عن لقمة العيش ليس جديداً في تاريخ البشر، فهناك من يبحث عن لقمة العيش بالحلال، وهناك من يبحث عنها بالحرام أو بالطرق الملتوية. في مجال الإعلام وبخاصة العربي منه برز على السطح مجموعات من المرتزقة عبر فترات متفاوتة من التاريخ العربي المسطر بمداد الصراع والحروب.
يظهر هؤلاء في أوقات الأزمات والصراعات فينحازون لمن يدفع أكثر، وبقدر المال المدفوع أو المزايا الممنوحة يكون النضال الكلامي والصراخ وذرف الدموع إن أستدعى الأمر ذلك. هؤلاء المرتزقة الذين ملئوا الفضائيات والإنترنت وصفحات الصحف لا يعترفون إطلاقاً بالمهنية الإعلامية التي تقتضي الحياد والموضوعية والنقد الصادق إذ لا يملكون من الأخلاق ما يمكنهم من الوقوف مع صاحب الحق.
تهبط لغاتهم إلى مستويات أدنى من لغة الشوارعيين فلا يتورعون عن اللجوء إلى الكذب والتدليس والشتم والقذف وكيل التهم دون أدلة. هم من صنف البشر لكن كل واحد منهم متدثر داخل جلد حرباء لا مانع لديه من تغيير مواقفه وقناعاته في غمضة عين لمجرد ظهور عرض جديد يسيل لعابه. هم أمام العروض فئات بكل تأكيد فمنهم من يرضى بمجرد الظهور في قناة فضائية ومنهم من لا يرضيه إلا منحه برنامجاً فضائياً يستضيف فيه من يشاء ينفث من خلاله سموم أحقاده على كل من لا يعجب أسياده.
بعض مرتزقة الإعلام يفعل كل ما يطلب منه لقاء مقابل هزيل وخاصة المبتدئين منهم فاستضافته لأيام معدودة في فندق خمس نجوم مع إقامة تتضمن وجبات الأكل ووسيلة النقل والرحلات الترفيهية كافية جداً لفتح شهيته المستأجرة لممارسة قلة الأدب والذوق والأخلاق والصراخ أو النباح ببذيء الكلام.
لكن المحترفين من المرتزقة لا يقنعهم إلا بريق الدولار من أمثال «أبو حمالات» وسي عكاشة، وبعض الإعلاميين اللبنانيين المحسوبين على لبنان بينما هم يناضلون لمصلحة إيران ومهاجمة من يحاول كشف مخططاتها التوسعية على حساب دول الجوار، أو من يسعى لتقليم أظافرها. من أمثال من يبحثون عن لقمة العيش الصعبة عطوان أو قطوان لا فرق وهو من أدمن الهجوم السافر على المملكة العربية السعودية في كل مناسبة رغم أنها من صنعته وفتحت له أبواب العمل فيها عبر أكثر من مطبوعة وعندما أشتد عوده نكص على عقبيه وتنكر لأصحاب الفضل والمعروف، وهو نموذج سيئ لكثير من الإعلاميين الذين أقاموا في الغرب ووجهوا سهامهم ليس للأعداء الحقيقيين وإنما لمن يتوافقون معهم باللغة والدم والمصير المشترك.
من المروءة والشهامة أن يقف الإعلامي مع بلاده في كل المواقف لكن أن يكون أجيراً فهذه قمة الخسة لما فيها من بيع للضمير وتحلل من الأخلاق. كشفت عاصفة الحزم كثيرين وإن كنا نعرف بعضهم من خلال مواقف غير مشرفة سابقة حاولوا التمويه والتدليس على الشعوب العربية بتصويرهم للحرب في اليمن بأنها تارة حرب عدوانية وتارة طائفية أو أن إيران دولة مسالمة وأنها لا تدعم الحوثيين.
أعتقد أننا حتى الآن في دول الخليج لم نتعامل بطريقة قوية مع مواقف مرتزقة الإعلام العربي وهو ما يجب مواجهته اليوم قبل الغد إما بمواجهتهم بإعلام خليجي أقوى، أو وضع قائمة سوداء أبدية تحظر التعامل مع كل من يسيء لنا.