د. محمد البشر
كان الموريسكيون يُمثّلون أقلية غير مرغوب فيها ولكن ليست منسية.. وحتى في لحظات الانتصار الإسبانية الكبرى, احتلت هذه الأقلية موضعاً متميزاً في الأعمال ذات الطابع التاريخي. إن التناقض بين تاريخ هذه الأقلية مع أقلية مشابهة لها - وهم اليهود المرتدون - تناقض كبير, فقد نسيت الأقلية اليهودية بالكامل, حيث اعتُقد أن صفحة وجود أتباع الدين اليهودي في التاريخ الإسباني قد أغلقت تماماً بطردهم عام 1492, لكن المصائب والأحداث الأليمة التي مرّ بها الموريسكيون حتى إخراجهم ظلت تحرّك أقلام المؤرخين الإسبان, فما الأسباب؟.. لا شك أن السبب هو التفاعل المختلف لكلتا الأقليتين داخل المجتمع الإسباني في ذلك الوقت.
حاول أحفاد اليهود عدم لفت الأنظار إليهم والاندماج في مجتمع الأغلبية, وقد حققوا هدفهم.. ومن ناحية أخرى كان من بينهم عائلات عريقة وأشخاص من ذوي النفوذ, ولم يكن من المناسب نشر إيمانهم بدينهم.. وفي عام 1623م صدر أمر بتحريم الكتب (الخضراء) مثل كتاب «وصمة النبلاء».. وعلى الرغم من هذا فإن تلك الكتب تابعت حركتها السرية, فلم يكن يصرح بطباعتها لأنها كانت تحكي المصائب التي مرت بها هذه المجموعة البشرية التي لم يكن لها تاريخ تبعاً للمعنى الأصلي لتلك الكلمة.
أما بالنسبة للموريسكيين فإن الأمر يختلف تماماً, فعدم إخلاصهم للدين المسيحي الذي أُجبروا على اعتناقه كان واضحاً, وكذلك موقفهم السلبي من الاندماج في المجتمع.. ولم يكن هناك أي خطر على الذين ينكرون عليهم عقد اجتماعات مزعجة مع السلطات الرسمية والسادة ذوي النفوذ في ذلك الوقت.. ومن الغريب أن هذه الأقلية على الرغم من تعاستها وبؤسها, فإنها كانت قادرة على أن تكون موضوع مادة تاريخية قيمة, ليس في حرب الاسترداد فقط وما يُنسب إليهم خلالها من بطولات, وإنما بعد ذلك بكثير أيضاً, حيث كان الموريسكيون أبطالَ حدثين تاريخيين لهما طابع (درامي) كبير: الأول: تمرد أعوام (68 - 1570 م), والثاني: خروجهم الأخير, وهما حدثان تاريخيان لم يحسن الاستفادة منهما بعد.
والكتاب التأريخي «حرب غرناطة» لمؤلفه دييغو أورتادو, خير مثال للأعمال ذات المحتوى الأدبي والسياسي ويمثّل الأعمال الكلاسيكية في التاريخ الأندلسي, أما رواية لويس ديل مارمول كارباخال فيُمكن مقارنتها بكتاب برنال دييث ديل كاستيو.. إذ يمثّل أسلوب المؤرخين الجنود, حيث تختفي الميزات الأدبية, ويظهر بوضوح الهدف الإخباري, وهذا النوع موجود بكثرة في العصر الذهبي للأدب الإسباني.
والجدير بالذكر أن طرد أعوام 1609 - 1614م كان سبباً في كتابة أعمال أدبية كثيرة, ذات قيمة إخبارية متباينة, ومحتواها الأدبي متدنٍّ جداً وربما لا تكون لها أي قيمة أدبية.. ويكفي هنا أن نشير إلى بعض الأعمال المهمة, مثل: كتاب «تاريخ مسلمي إسبانيا» للراهب الدومنيكي خايمي بليدا, وكتاب «تاريخ طرد الموريسكيين العظيم» للراهب ماركوس دى غوادالخارا.. وكتاب «الطرد العادل لموريسكيي إسبانيا» لدميان فونسيكا, وكتاب «طرد موريسكيي إسبانيا المقبول» لأثنار كاردونا.. هذا بالإضافة إلى كمية كبيرة من الأعمال التاريخية الصغيرة. والأحاديث المطولة عن هذا الموضوع في كتاب تاريخ العامة.. أما الأدب المعاصر الذي عالج تلك الأحداث حينذاك فكثيراً جداً لدرجة أننا لم نستفد منه حتى الآن كما يجب.
وبالطبع، فإن هذه الأعمال ذات طابع تبريري دفاعي لأن الرقابة لم تكن تسمح بنقد موضوع الطرد بصورة علنية لأنه اعتبر أمراً مقدساً وعادلاً ولا يمكن العدول عنه.. وبعد موت فيليبي الثالث تغير الوضع, ففي فترات الحكم التالية تم نقد قرار الطرد بعبارات مباشرة وغير مباشرة في كتب المؤرخين والسياسيين والاقتصاديين, أما فيما بعد - في عصر التنوير - فقد أصبح النقد صريحاً وقاسياً, حيث تمثّل تلك الفترة بدء عصر الأعمال الأدبية ذات الطابع التأريخي والأسلوب التحرري في القرن التاسع عشر, ولعل الجديد في ذلك القرن هو أنه بالإضافة إلى المؤرخين الذين كان دورهم يقتصر على إطلاق أحكام على الأحداث التاريخية, فقد ظهر الباحثون الذين جددوا وأكملوا الروايات التقليدية.. لهذا فإن بعض الأعمال مثل «الوضع الاجتماعي للموريسكيين» لمؤلفها خانير عام 1857م, وكذلك كتاب «طرد الموريسكيين الإسبان» لمانويل دانبيلا في عام 1889, تمثّل خطوة مهمة لما تحتويه من وثائق كثيرة.. منذ ذلك الحين عرفت الأمور الأساسية حول أسباب الطرد, حيث قام دانبيلا بدراسة تقارير المجالس واللجان التي أعدت عملية الطرد.