د. حسن بن فهد الهويمل
لا أحد يُرَحِّبُ بالحرب، وبخاصة الذين عركتهم عرك الرحى بثفالها، ذلك أن لها ما بعدها من تبعات لا تصيبن الذين اتخذوها طريقاً لحل مشاكلهم الخاصة، إنها تَضْرَ إذا ضُرِّيت فَتَضْرم، وتشكِّل كيانات لم تكن معهودة من قبل. ومع هذا تكون في يوم من الأيام الخيار الوحيد، الذي لامناص منه.
وللراصِدِ أن يتصور دولة بحجم [المملكة العربية السعودية]، بكل ماهي عليه من أمن، وثراء، وعراقة، واستقرار، وبعد نظر، وحب للسلام تجد نفسها اضطراراً، لا اختياراً على حافة الهاوية، ثم لا تجد بداً من التفكير بما لا تود التفكير فيه، لتتخذ أثناءه قراراً جريئا، هو كل ما تتطلع إليه الأمة العربية، لاستعادة كرامتها، ومكانتها، وسيادتها، وهيبتها.
لقد فاجأت العالم بعاصفة حازمة، عازمة، تدك حصون الأعداء، وتعصف بالأذهان الذاهلة، لتوقضها من غفلتها، وتعيدها إلى رشدها.
إن إعلان الحرب قرار له مابعده. ولا سيما أن المملكة لا تضمر العداوة، ولا تود التوسع، ولا تحلم بتصدير مشروعها السياسي، ولا مذهبها الديني، ولا يمكن أن تلجأ لخيار الحرب، وهي تجد قراراً دون ذلك.
الدول الإنقلابية تظل مرتهنة لأحلامها الطوباوية، تمضي مع الزمن، تأكل نفسها، إن لم تجد ما تأكله.
ودعك من دوله مَهْوُوْسةٍ بأحلامها الصفوية، كـ[إيران]، التي أفنت زهرة شبابها، وقضت على كل مثمناتها، وفقدت سمعتها بتدخلاتها، ودسائسها، التي لم تحقق من ورائها الاخيبة الأمل، وسوء السمعة.
لقد وقع الفأس على الرأس، حين ضاع العراق، والشام، ولبنان، واليمن، دون أن يحرك العرب ساكناً. ولم يعد هناك، وقد جاء الدور على الخليج إلا خيار الحرب، الذي لم يكن يخطر على بال المتذيلين للمجوسية، المنفذين لرغباتها، وتطلعاتها، وأحلامها الأغرب من الخيال.
وكيف يُتَوقَّعُ من أبناء وطن نسلت منه العروبة كلها، أن يعطي الدنية في قوميته، فضلاً عن دينه، ويستعدي دوله مجوسية على دولة شقيقة مجاورة آسَتْ، ووآست، وتوجعت لآلام اليمن.
لم يكن عزوف المملكة عن مثل هذا القرار الصعب ناتج خوف، أو ضعف، ولم تكن استعداداتها العسكرية الأقوى لمجرد التشبع.
طَبْعُ المملكة التسامحُ، والدفعُ بالتي هي أحسن، وسياسةُ الاحتواء، وامتصاص الاحتقان، والأخذ بالمثل العامي:- [خَلِّ أقشر ما عندك آخر ماعندك ].
العدو الغبي تُوحِي إليه هذه الأخلاقيات بأنه الأقوى، والأقدر على تضييق الخناق، والرفع من جاهزية الأذناب، والمقاتلين بالإنابة، المتنكرين لقوميتهم.
لقد نفد الصبر، وضاقت الحيل، واستحكمت حلقات المشاكل، وأحست الدولة أن السيل قد بلغ الزبى، وهَمَّ بمثمنات البلاد، ومقدساته من لا يدفع عن نفسه. وساعتها لم يكن بد من ركوب الأسنة، ومبادرة الواقع بما يليق به.
وجاءت [عاصفة الحزم] لغة جديدة، فوجئ بها العالم. ولأنها مشروعة، ومتوقعة، وحق من حقوق الدولة، فإنه لم يسع الرأي العام العالمي إلا المباركة، والتأييد، والإستعداد للدعم بكل أشكاله.
فالمملكة لم تركن بعد الله إلى قوتها، ولا إلى عدتها، وعتادها، وإنما ركنت إلى مشروعية فعلها، وتوسلت بما تملكه من قوى حسية ومعنوية. وركنت إلى جبهتها الداخلية المتجلية بتلاحم المواطنين، وتأييدهم، ومباركتهم، لهذا القرار الحكيم. وركنت إلى علاقاتها، وسمعتها، ومكانتها التي شكلتها زمن الرخاء وتجلت بالعلاقات المتينة مع الأشقاء، والأصدقاء. وركنت إلى سائر أعماقها: الدينية، والجغرافية، والاقتصادية.
لقد ذَهِل العدو حين أَغْلقَت العاصفة الأجواء، وطوقت المواني، ورصدت التحركات على الأرض، ودمرت الطائرات، والمنصات، والمخازن، والألوية، وقَطعَّت أوصال العدو وأذهلته.
وفوجئت [إيران] ومن معها بهذه الضربات الخاطفة الدقيقة الموجعة، التي لم تكن واردة ضمن حساباتها.
لقد جاءت قراءة إيران للمملكة قراءة خاطئة، أردتها، وخلطت أوراقها، وفوتت عليها فرصة الخلوص من هذه الارتباكات المخجلة، التي كشفت لأذنابها أنها نِمرٌ من ورق.
والراصد المتابع يرى أن المملكة اتخذت كافة المحاولات، لتفادي مثل هذا القرار الذي تَعْرف نتائجه، وتبعاته. إذ مارست كل الوسائل المؤدية إلى تفادي الحرب، لانها تعرف أن وراء الحرب ما وراءها.
والذين أضلتهم أطماعهم، وأعمتهم أحلامهم المجنونة، ظنوا أن محاولات المملكة السلميه، ولجوءها إلى خيارات مادون الحرب مؤشر ضعف في إمكانياتها، أوخوف من نتائجها.
وكلما زادت [المملكة] من التنازلات، زادت [إيران] ومن معها من التشدد، والتعنت، والإصرار على المضي في توسعها، والالتفاف حول عنق الخليج، كما حبل الفجيعة.
حتى إذا بلغت الأحوال نقطة [اللارجعة]، نزعت المملكة لباس الحلم، واللين، والأناة، وارتدت درع الحرب، ولبست لأمته، ولسان حالها يردد:- [ متى أضع العمامة تعرفوني ].
معتمدة على الله، ملتمسة العون منه، واثقة بالنصر، والتأييد، لأنها لم تظلم، ولم تعتد، ولأنها بقرارها الرشيد تستجيب لاستغاثة المقهورين، الذين أُكْرِهوا على عقيدة فاسدة، وعلى التخلي عن قوميتهم.
إن ظاهرة [الحوثيين] التي انتشرت كالوباء في اليمن، ومهدت لانتشارها بالسلب، والنهب، والقتل، والتشريد ظاهرةٌ شاذةٌ، لا تمتّ إلى الدين بصلة، ولا الى العروبة بقرابة.
ولأن اليمن يعيش حالة من الفقر، والضعف، والتفكك فقد وجدت هذه الظاهرة النشاز أجواء ملائمة للانتشار السريع.
ومع أن اليمن منهك بما هو عليه من تشرذم، إلا أن أبناءه الشرفاء ظلوا يقاومون هذا الوباء بكل مايملكون، غير أن الأطماع المجوسية وجدت في شرذمة [الحوثيين] مخلب قط، تحقق من ورائه أطماعها التوسعية، وأحلامها الصفوية، وحقدها المجوسي. ولولا أن المملكة تداركتهم قبل أن يتفانوا، ويدقوا بينهم [عطر منشم] لدخلوا في حرب أهلية، لا تبقي، ولا تذر.
وتلك الأوضاع، والظواهر، لا يمكن أن تقبل بها الأمة العربية بكافة مكوناتها الشعبية، وبخاصة [المملكة العربية السعودية] لمجاورتها لليمن، ووجود أطول حدود معها، ولتكرر الاعتداءات، وتنفيذ المناورات، وتفلت الألسن بالوعيد، والخطط التوسعية، لقد بدؤونا منذ النشأة الأولى لهم، وهذا مؤشر غباء، ومحفز استعداء.
ولهذا باشرت دول التحالف بقيادة [المملكة العربية السعودية] [عاصفة الحزم] لتشعر العالم بأن الأمة العربية لا يمكن أن تنتهك حرماتها، ولا أن تسلب حرياتها، ولا أن تُلْغَى قوميتها.
إنها إرادة عربية خالصة العروبة، وقرار سيادي، لم يعول على الشرق، ولا على الغرب، ولهذا تداعت له أرجاء الوطن العربي، واستقبلته استقبال الفاتحين.
وكم أتمنى لو كان الشاعر [عمر أبو ريشة ] -رحمه الله - على قيد الحياة ليرى أن في الجزيرة العربية أكثر من [معتصم]، وأن استغاثة [الشعب اليمني] لامست أسماع رمز الأمة العربية [سلمان بن عبدالعزيز ]، ووجدت فيه [نخوة المعتصم].
هذه الحرب الإسلامية، التي أكرهت عليها المملكة، وخلفاؤها سوف تؤتي ثمارها، بحيث تعيد لليمن شرعيته، وتحفظ وحدته، وترفع عنه غوائل الذل، والخوف، والجوع، وتعيد للأمة العربية عزها، وهيبتها، ومكانتها التي جلبها [الربيع العربي].
والأمة العربية التي تدخل مرحلة جديدة، وحياة كريمة بهذا القرار السديد، ستعمل على لملمة الآثار، والحيلولة دون تبعات الحرب، التي لا نود أن يكون لها آثار جانبية.
والمملكة التي دعمت اليمن بمليارات الدولارات، وأسهمت في بنيته التحتية وسائر مشاريعه الصحية، والتعليمية، واتسعت أرضها لأكثر من مليون مواطن يمني عملوا بشرف، وكسبوا بجهد، وأمدوا أهلهم بالأموال، والمتاع، لن تتخلف عن مشروع يشبه [مشروع مارشال] يعيد لليمن استقراره، وإعماره.
هذه العاصفة درس عملي نود من أبناء اليمن الشقيق المغرر بهم، أن يعيدوا قراءة أوضاعهم، وأن يوازنوا بين خيرات الخليج، وجيرته، وعمقة المادي، الذي ينعمون به، وأخُوتهم العربية، والإسلامية من جهة، والمد الصفوي المجوسي الباطني الذي دخل العراق فأفسده، وتسلل إلى الشام فدمره، وانساب كالخدر في مفاصل لبنان فمزقه، ولم يُقَدِّم للمغرر بهم إلا السلاح، والتدريب على التخريب، وحرب العصابات من جهة أخرى.
إن على العقلاء من أبناء اليمن أن يسألوا أنفسهم: ما الذي ينتظرونه من دولة الملالي، والآيات، الذين لم ينفعوا أنفسهم.
هذا هو الحدث، ووراءه بإذن الله عز، وتمكين للأمة العربية، وإنقاذ لليمن الذي اختطفه الحوثيون بتدبير إيراني، وخيانة عسكرية قادها ناكر الجميل، الذي لدغنا في أكثر من جحر، ولما يزل يبحث عن جحور أخرى ليلدغنا فيها. والمؤمن لا يلدغ في جحر مرتين.