هكذا الدنيا قدوم فمرور فرحيل، فيها عظات وعبر، وسرور وكدر، واجتماع وافتراق، وليس للإنسان فيها إلا ما قدم من عمل صالح، وثمة أشخاص يبقى ذكرهم؛ لجميل أثرهم على من جالسهم، وأحسب أن منهم الأخ العزيز إبراهيم بن عمر الخطاف (أبوخالد) رحمه الله، وهو من الزملاء الفضلاء الذين زاملتهم في مكتبة الرياض السعودية -الفترة المسائية- وهو كبير قارب سن التقاعد، وقد ذكر لي أنه من أوائل الموظفين في هذه المكتبة، حيث ابتدأ عمله فيها عندما كانت في جامع سماحة مفتي الديار السعودية في زمنه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمهم الله- وعاصر تنقلاتها المكانية إلى أن استقرت في المبنى الحالي قرب مسجد رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، على طريق الملك فهد.
ولقد وهب الله أبا خالد صلاحاً وأخلاقاً طيبة، فهو بشوش، طيب النفس، إذا تحدث آنس المستمع إليه، عاش حياته في كفاح وصبر ومصابرة، كما هي حال غالب جيله، كما زادته التجارب التي خاض غمارها معرفة وحكمة، وقد عمل مؤذناً في مسجد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في حي دايل بالرياض، لمدة تزيد على عشرين عاماً.
وأبوخالد رجل محبّ للخير ساع إليه مشارك فيه، يحرص على تفطير الصائمين في مسجده، ويباشر خدمتهم بنفسه على كبر سنه، وقد رأيت هذا حينما زرته للسلام عليه بعد تقاعده.
كان -رحمه الله- يروي بعض القصص التي وقعت مثل قصة الأخوين من آل شريدة في بريدة سنة الجوع عام 1327هـ، حيث تبرعا بالتمر الذي اشترياه للتجارة، فأطعما به الناس لوجه الله؛ لئلا يهلكوا من شدة الجوع، وهي قصة مشهورة ذاع صيتها بين عموم أهل القصيم وغيرهم، ولهذه القصة تفاصيل ليس هذا موضعها، وفيها يتبين مدى التكافل الاجتماعي بين الناس ذلك الزمن مع قلة ذات اليد.
كما كان يروي قصصاً من قصص حمد الصقعبي (حمده) ولم يكن كتاب يجمع أخباره وقصصه حينها إلى أن ألف معالي الرحالة العلامة محمد بن ناصر العبودي -حفظه الله- كتاباً عنه بعنوان أخبار حمد الصقعبي.
ولما مات ابنه خالد -رحمه الله- جئته مع بعض الزملاء لتعزيته، فرأيت منه الصبر والاحتساب على فقد ابنه الأكبر، وهكذا هو المؤمن صابر عند الابتلاء، شاكر في السراء، حامد لله على كل حال، وأسأل الله أن يجمعه به ووالديه ومن يحبّ في جنات عدن.
والحديث عن أبي خالد -رحمه الله- يطول إلا أن حسبي مما ذكرت مقالة رثاء، ومن باب ذكر محاسن الموتى.
تلقيت نبأ وفاته اتصالاً من ابنه عليّ ليلة السبت الموافق 15-6-1436هـ، وصلي على جنازته بعد صلاة عصر السبت في جامع عتيقة بالرياض، أسأل الله أن يغفر لأبي خالد وأن يكرم نزله، وأن يوسع مدخله، وأن يغسله بالماء والثلج والبرد، وأن ينقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يرفع درجته في الجنة، وأن يخلفه في أهله خيراً، وجمعنا الله به ووالدينا ومن نحبّ في الجنة، وأحسن الله عزاء أهل بيته وذويه ومحبيه، وألهمهم الصبر والسلوان، وإن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده لأجل مسمى.
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)