لعمرك ما الأيام إلا معارة
فما اسطعت من معروفها فتزود
من الناس من يوفقه الله في الأعمال الخيرية، والبذل سراً وجهراً في أوجه البر والإحسان وصلة الرحم والأقارب، وببذل جاهه في منفعة المحتاجين بدون الإضرار بأحد، فإن ذلك من أسباب رضى المولى عليه وتوفيقه، والبركة في عمره وماله وصلاح أبنائه، وهذه من الصفات المحمودة التي تحلى بها الشيخ إبراهيم بن سليمان الحمد (أبو عبدالله) الذي لاقى وجه ربه يوم الجمعة 29-5-1436هـ آخر شهر جمادى الأولى المصادف آخر يوم من أيام الدنيا للشيخ إبراهيم الحمد -رحمه الله- وأديت صلاة الميت عليه بجامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة الظهر يوم السبت غرة شهر جمادى الآخرة 1436هـ، ثم حمل جثمانه الطاهر إلى مهوى رأسه بمحافظة حريملاء، فدفن على مقربة من آبائه وأجداده بمقبرة صفية:
مُجاور قوم لا تزاور بينهم
ومن زارهم في دارهم زار هُمّدا!
وهذه سُنّة الله في خلقه: حياة ثم موت إلى أن يأذن المولى بخروج جميع الخلائق من مضاجعهم ليوم الحساب -تغمد الله أبا عبدالله بواسع رحمته ومغفرته-، ولقد ولد في مدينة حريملاء عام 1340هـ -تقريباً- وعاش طفولته وشطراً من شبابه في ربوعها، وعند بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى مدارس الكتّاب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم لدى المقرئ الشيخ الفاضل محمد بن عبدالله الحرقان، المشهور بالحزم والجد مما يكون له بالغ الأثر في نجاح الطالب وفلاحه.. لأن القرآن الكريم إذا سكن الصدور ووعته العقول كان سبباً في إسعاد المرء وتنوير قلبه، وتهيئته لطلب العلم ليكون عضواً عاملاً في وطنه، وعندما جاوز سن الطفولة وأصبح في مصاف الشباب أخذ يفكر في أي عمل يزاوله -، وليس أمامه في تلك الحقبة إلا العمل لدى أصحاب الفلاحة في حقولهم..، أو أي أعمال حرفيه مثل المباني وتشييد الدور وغير ذلك من المهن الحرفية الأخرى، ولما لم يَرُقْ له ذلك فكر في السفر إلى الرياض علّه يجد ما يناسب لطموحاته وأهدافه لأن بقاءه عاطلاً عند أهله في حريملاء محرج وممل جداً، لذا صمّمَ على الارتحال والاغتراب عن الأهل لما خطر بباله قول الإمام الشافعي لأجل طلب المعيشة حيث يقول:
ما في المقام لذي عقل وذي أدب
من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه
وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
وكقول أبي تمام:
وطول مقام المرء في الحي مُخْلِقٌ
لديباجتيه فاغترب تتجدد
ثم سار على بركة الله إلى الرياض فألفى على بعض أقاربه ومعارفه فأشُير عليه باستئجار محل صغير -دكان- فكانت بداية أعماله التجارية على بساطتها وقلة مواردها، فتحسنت المادة لدية شيئاً فشيئاً، وعندما وُجدت الكهرباء فرح المواطنون بها كل الفرح فبادر بالانتقال إلى محل أكبر، ويعتبر من الأوائل في ذلك، فأخذ يستورد متطلبات المواطنين من أدوات وأسلاك كهربائية فاستمر يبيع من تلك الأصناف..، ولما كثر ماله توجه إلى البيع والشراء في المجال العقاري والإسهامات في شراء المخططات السكنية الواسعة في جوانب الرياض، حتى أصبح من كبار التجار في مدينة الرياض..، وفي محافظة حريملاء ـ مهوى رأسه ـ فقام ببناء عدد من المساجد شُكراً لله على نعمه مع بناء مساكن للأئمة والمؤذنين -جزاه المولى خيراً- كما حاز على ثقة رحيمه وصديقه الحبيب الشيخ عبدالله بن ناصر العمار -رحمه الله- رئيس الشؤون الخاصة بالديوان الملكي حيث فوضه ووكل إليه ما تحتاج إليه حريملاء وغيرها من البلدان من بناء مساجد أو شراء مساكن لبعض الضعفة والأرامل من ماله الخاص، بل ومن أموال الدولة الشيء الكثير -أعزها الله وبارك فيها- فهي تفرح كل الفرح بمساعدة كل محتاج من أبناء شعبها وغيرهم من البلدان الفقيرة أو المنكوبة، كما أن شفاعة -أبو عبدالله- في توصيل طلبات المحتاجين لا ترد أبداً، ومما تميز به الشيخ إبراهيم بذل جاهه للكثير في مساعدة من يطلب توصيل طلباتهم لمنحهم قطع أرض من الدولة أو مساعدات مالية..، وستبقى هذه الأعمال الجليلة
ذكراً خالدة له وللشيخ الكريم عبدالله بن ناصر العمار والأجر في ذلك مضاعف -بإذن الله- لهما ولولاة الأمر بهذا الوطن:
ستلقى الذي قدمت للنفس محضراً
فأنت بما تأتي من الخير أسعد
ولنا معه بعض الذكريات الجميلة لا يتسع المجال لذكرها، وهو محب لوالدنا الشيخ الجليل يزوره كلما قدم من الرياض هو وعدد من الوجهاء والعلماء الأجلاء -تغمده المولى بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته- وألهم ذويه وشقيقه محمد وأبناءه الكرام عبدالله وسليمان وعبد العزيز وشقيقاتهم وعقيلته -أم عبدالله- وأبناء وبنات الشيخ عبدالله بن ناصر العمار أبناء شقيقته، ومحبيه الصبر والسلوان.
عبدالعزيز بن عبد الرحمن الخريف - حريملاء