يطل برأسه في مدخل الدار، ثم يصرخ:
- يا ولد.
يصيح صاحب الدار (أبو علي) بأعلى صوته:
- يا مرحبا.
ينهض الجميع ليصافحوا القادم الجديد ويقبلونه، ثم يعودون إلى الجلوس بتثاقل، ما أن يستقروا على الأرض حتى يفاجأوا بالآخر، يرفع عقيرته:
- سلام يا رجال.
يبادره المضيف مبتسماً مرحباً:
- عليكم السلام.. حياك الله.
ينهضون فيقبّلون.. ثم يعودون للجلوس، تتكرر هذه المشاهد مع الضيوف الذين يتوافدون فرادى، وتتكرر أيضاً الكلمات المحفوظة.
الساعة تزحف نحو العاشرة والنصف، مجلس أبو علي يغص بالمدعوّين.. من مختلف الأعمار، ارتشفوا القهوة حتى مَلُّوها وأتوا على أطايب التمر.. وشربوا من الشاي حد الامتلاء.
أبو علي في وضع «مزري» فأعصابه تحترق، ونظرات الجميع تحرجه، ضيفه أحد الوجهاء المتكبرين حرص أبو علي على دعوته.. ليغيظ بعض أقاربه.. ويبين لهم قوّة علاقاته الاجتماعية ومتانتها، الضيف الثقيل لم يُطلّ إلى الآن، اتصل به عدة مرات لكنه لا يرد، الحيرة تسيطر عليه.. ولا يدري ماذا يفعل؟ بعض المعازيم يرمي كلمات مزعجة، من قبيل متى السحور؟ زوجته.. قلقة جداً من تردي الوضع وأشد ما تخشى أن تبرد الأطباق التي تعبت في إعدادها.
يذرع فناء الدار جيئة وذهاباً، كلما لمح نوراً في أقصى الشارع هرع إليه وهو يدعو الله -مخلصاً له الدين- أن يكون الضيف المنتظر لينتهي هذا الكابوس المزعج، فهو لا يستطيع تحمل نظرات الجالسين ولا تشكّي زوجته، فكّر جادّاً في تقديم العشاء، ولكن.. ماذا لو حضر! موقف لا يحسد عليه.
الساعة تقترب من تجاوز الحادية عشرة من الليل، الجوال لا يعرف طوال هذه الفترة، إلا رقم الغائب المنتظر، أخيراً يرد وضحكاته تتعالى:
- آلووو
يبتلع أبو علي ريقه ويسأل بلهفة:
- يا أخي وينك الله يهديك خفت عليك.
يرد بلا مبالاة:
- أبد الله يسلمك.. (مريت أحد الزملاء وأخرني شوي).
محاولاً أن يذكّره بسوء صنيعة.. يكمل:
- (جوالك من ساعتين وأنا أدق عليه).
يجيب بنفس الهدوء:
- (كنت ناسيه بالسيارة).
يهتف وهو يكبت غيظه:
- طيب أينك الآن؟
يرد بغطرسة:
- (نصف ساعة وأكون عندك).
- نافل العتيبي