المؤلف: تيوفيل غوتييه؛ ترجمة: محمّد علي اليوسفي
الناشر: مشروع «كلمة» للترجمة؛ أبو ظبي؛ 2015
يأتي الكتاب ضمن سلسلة «كلاسيكيّات الأدب الفرنسيّ» التي يصدرها مشروع «كلمة» للترجمة في أبو ظبي، ويحرّرها ويُراجع ترجماتها الشاعر والأكاديميّ العراقيّ كاظم جهاد.
من مقدمة المترجم:
«عبرَ مسيرة إبداعية دامت خمسين سنة ونيّفاً، فرض الشاعر والكاتب الفرنسيّ تيوفيل غوتييه (1811 - 1872) حضورَه واحداً من النوابض المحرِّكة للرومنطيقيّة ومجدّداً في النقد الفنّيّ، وشاعراً مجوِّداً وإن لم يكن غزير الإنتاج في الشّعر، وكاتباً مسرحيّاً، ورحّالة شغِفاً بما يرى من شعوبٍ ومَشاهد. بيد أنّه فرض حضورَه على وجه التخصيص روائيّاً وقاصّاً من طبقة رفيعة، ترك بصماته الواضحة في جنس أدبيّ عسير المسالك، يسهل فيه الابتكار السطحيّ وتكثر فيه مزالق التكرار ومحاكاة الآخرين، ألا وهو الأدب الفنطازيّ. والقصص التسع، المترجمة في هذا الكتاب، والتي تكاد الأخيرتان منها تشكّلان روايتين، منتقاة من إنتاج للكاتب يمتدّ على الفترة بين 1831 و1856. ليست هذه القصص - ومن هنا دعوتها بالفنطازيّة - خياليّة بالكامل كحَكايا الجنيّات مثلاً، بل هي تمزج بين الخيال والواقع، وتدع عناصر غير مرئيّة أو لم تعد تنتمي إلى عالم الأحياء تتدخّل في الواقع ثمّ تتلاشى مخلّفةً أثراً عميقاً في الكائن الذي يحدث له أن يرصد بعض تجليّاتها: امرأة تواصل عشقها في ما وراء الموت، وقدم مومياء تتدخّل في حياة ذلك الذي اشتراها من مخزنِ تحفيّاتٍ وعتائق، وحسناء مرسومة في سجّادةِ حائطٍ تلهب خيال شابّ عاشق، إلخ. شاعريّة اللّغة تُحوّل أغلب صفحات الكتاب إلى قصائد نثر، وانثيالات الخيال المتواصلة تمنح الشخوص حياة اخرى داخلَ الحياة.
إنّ عدّة مسائل جوهريّة، كمسألة الهويّة وثيمات الازدواج والقرين والشّبيه والصّنْو وانتحال الهويّة وصناعة الاستلاب تُهيكل قصص الكاتب وتمنحها عمقاً فلسفيّاً وأدبيّاً فريدين. لم يكن غوتييه يمارس كتابة الغرابة من أجل الغرابة، بل إنّ عودة إلى الواقع دائماً ما تتوّج نصوصه. فتدرك الشخصيّة القصصيّة معضلتها، أو تموت ضحيّة وهمها القاتل فنكمل نحن القرّاء شوط التساؤل الممضّ والفهم الخلّاق. والموتى لا يفرضون علينا وجودهم إلّا بقدر ما تدوم زيارة توقفنا على الأساسيّ ويعودون بعدها إلى عالمهم الأليف.
إنّ هذا الوريث لرائد الأدب الفنطازيّ ومعلمّه الشخصيَ المعلن، الألمانيّ هوفمان، قد ذهب بعيداً بإرث المعلّم وفرض عليه لا لغة الشعر وحدها، ولا تعمّق الرومنطيقيّ الثائر الذي يستنطق الدواخل الإِنسانية ومنطق الكون كلّه فحسب، بل كذلك أدوات الناقد الفنّي والرّحالة الذي يزجّ بقرائه في تعدّد الثقافات وثراء المرئيّات. ثمّة جانب متبحّر أو موسوعيّ في نصوصه هذه، فيرى القارئ معه إيطاليا بثقافتها وفنونها، والهند ومصر بروحانيّاتهما ورؤية أهلهما للّغز البشريّ».