المؤلف: نوفل الحاج لطيف
الناشر: دار جداول؛ بيروت؛ 2015
من مقدمة المؤلف: « هناك أهمية خاصة للجدل بين جون رولز والمنفعية حول مسألة العدالة الاجتماعية، إِذْ كما يشير العديد من قرّاء رولز إلى أن فهم نظريته في العدالة بوصفها إنصافًا يقتضي فهم النظرية المنفعية التي يريد أن يقدم نظريته بديلًا عنها لتسويغ المبادئ الليبرالية. فالمنفعية بما لها من صيت واسع هيمنت على الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي المعاصر، عطلت في تقدير رولز عودة مسألة العدالة التوزيعية إلى حيّز المباحث الفلسفية ومنعتها من أن تكون (فضيلة المؤسسات الاجتماعية). وفي جدله مع المنفعية حول العدالة الاجتماعية، عمل رولز على توظيف فرضية العقد الاجتماعي، كما صيغت عند كانط وروسو ولوك حتى تكون البديل عن المبدأ المنفعي الذي لا يهتم بمسألة التوزيع ولا بالعدالة، إلا إذا كانت خدمة لتحقيق أكبر منفعة لأكبر عدد كأساس تقويم السياسات العامة، بينما يؤكد رولز على أولوية العدالة الاجتماعية في ذلك. وعليه يستدعي البحث في حقيقة هذا الجدل وطبيعته ومآلاته فهم التراث المنفعي وطريق استخدامه اليوم في الدفاع عن دولة الرفاه المعاصرة كما يفهمها الليبراليون، وفهم كيف أن رولز يرى أن هذا الدفاع قاصر ويحتاج إلى تغيير في تصوراتنا للعدالة وفي طرق الدفاع عنها. والمنفعية، برأي رولز لا تستطيع أن تقوم كإيتيقا عمومية تنسجم مع الشروط التي تفترضها الديمقراطيات الدستورية المعاصرة فهي لا تتورع عن التضحية بحقوق الأقلية باسم تحقيق الرفاه العام، فضلًا عن أنها لا تأخذ بأولوية الحريات والحقوق الأساسية للأفراد، بل إنها تعمد إلى التضحية بها في سبيل تأويج المنفعة أو تحقيق أكبر قدر من النجاعة الاقتصادية. وتفرض المنفعية رؤية جامعة وشمولية للمنفعة والخير والحياة الطيبة دون اعتبار لتمايز الأشخاص واختلاف رؤاهم لخيرهم الخاص ولمشروعهم الخاص لحياتهم الخاصة، فهي تسحب مبدأ الاختيار العقلاني الفردي على الاختيار الاجتماعي لأن ما يعنيها في كل ذلك المجتمع ككل بما يقتضيه تجميع المنافع وحسابها وتأويجها. وهو ما يتعارض تماماً مع مبادئ العدالة التي يقول بها رولز من حيث هي تأخذ بعين الاعتبار حرية الأفراد وتساويها وتحضّ على أن تكون اللامساواة في صالح ذوي الحد الأدنى في المجتمع».