في غضون سنوات قليلة نسبياً استطاعت حركة الحوثي، إحدى حركات الإسلام السياسي في اليمن، والتي تطلق على نفسها «أنصار الله» كعادة بقية حركات الإسلام السياسي في المتاجرة الرخيصة باسم الدين وباسم الله - تعالى الله-، فيما يسميها العارفون بها: «بذرة الشيطان» -وهو اللقب الذي أطلقه عليها رشاد العليمي وزير الداخلية اليمنية الأسبق- استطاعت أن تتحول من حركة دخيلة، متطرفة، منبوذة، إلى مسيطر على أجزاء كبيرة من اليمن بما فيها العاصمة صنعاء التي سقطت بسهولة في زحف مسلح من هذه الجماعة الراديكالية، مما أثار تساؤلات اليمنيين أنفسهم قبل غيرهم: كيف لأتباع الحوثي الذين كنا نحاربهم طيلة سنين مضت كجماعة إرهابية متطرفة، كيف لهم أن يدخلوا العاصمة صنعاء بكل سلاسة، ويسقطوا الدولة ويسيطروا عليها دون مقاومة تذكر؟!
كان اليمنيون يتحدثون حينها عن صفقة بين الرئيس المخلوع علي صالح والقوات الموالية له في الجيش والحرس الجمهوري وبين هذه الحركة الإرهابية العميلة.
تقول الرواية اليمنية في ذلك الحين، وقبل بدء عمليات عاصفة الحزم: إن صالح يعرف تمام المعرفة أن الشعب اليمني لن يقبل مطلقاً بحكم «الحوثي» لليمن، لعدة اعتبارات أصيلة، فهذه الجماعة منبوذة من الزيديين أنفسهم قبل غيرهم، ويصنفونها كجماعة همجية متطرفة ضالة، وهو أراد بذلك استخدامهم لاستمرار حالة عدم الاستقرار، وللقضاء على خصومه الأقوياء، ونشر الفوضى والإرهاب والاقتتال الأهلي في اليمن، ظناً منه أن اليمنيين بذلك سيقتنعون - أخيراً- بأن ابنه أحمد هو الحل الوحيد، والمخلص للوضع اليمني المتأزم، إنه يهدف للضغط على المواطن اليمني ليخرج للشارع ويقول: «يا محلى أيامك يا علي صالح»!
لقد أثبتت الأحداث التالية صحة هذه الفرضية، وظهرت حقيقة هذا التحالف المرحلي «المصلحي المؤقت» بين صالح والحوثي. سيما وأن صالح ذاته كان كما يبدو في حرب ضد الحوثيين طيلة سنين مضت.. صديقي اليمني يقول حول هذه الحروب الست: في الحقيقة علي عبدالله صالح لم يرد من هذه الحروب القضاء على الحوثي وجماعته، أو حتى تحجيمها، بل أراد استنزاف بعض ألوية الجيش الموالية لخصمه القوي علي محسن الأحمر، وابتزاز بعض دول مجلس التعاون ليدفعوا له مبالغ مالية تحت ذريعة تكاليف الحرب، وحاجة اليمن للدعم المادي للوقوف في وجه التمدد الإيراني في المنطقة، والذي يستهدف بالأساس دول مجلس التعاون والسعودية، تماماً كما يستهدف اليمن. وهو بالمناسبة ذات الأسلوب الذي يستخدمه تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، فكل منهما يقدم نفسه على أنه يمثِّل حاجز الصد في وجه التغلغل الإيراني، فيما الواقع يقول بأنه المستفيد الرئيس من حالة تواجد «البعبع» الحوثي جنوب الجزيرة العربية.
ترى هل «الحوثي» مجرد «بعبع»؟ أم أنه غداً بالفعل واقعاً مخيفاً في اليمن؟ يجيب صديقي: «هو بعبع، لكن من الممكن أن يصبح واقعاً مؤلماً كما هو الحال في حزب الله في لبنان، ما لم يتم التعامل معه بكل اقتدار، سواء من اليمنيين أنفسهم، أو من حلفائهم الخليجيين وبقية الدول العربية المؤثرة كمصر». سألت صاحبي اليمني بعد بدء عمليات «عاصفة الحزم» فقال: «بذرة الشيطان الإيراني ستُقتلع.. إنها في مهب العاصفة»..!
عماد المديفر