د. خيرية السقاف
قبل سنوات قليلة استيقظنا على دوي هزَّ أركان البيت كلها...
عربة مسرعة بجنون التهمت عربتي، واقتحمت باب حجرة شريكنا اليومي ننهب معه الطرقات وهو خلف مقود هذه العربة هادئاً صامتاً، ودوداً طيباً..
ذُهلنا من هول ما ألم به من الرعب.. ومن سطوة الاجتراء في سرعة السير والسياقة..!
وطفقنا نستلهم همة المرور، والدوريات..لكننا لم نحظ بغير إصلاح عربتنا، وترميم بيتنا.. وإصلاح باب حجرة أخينا...
وسجلت الحادثة في غيابة المجهول...!!
وظل شارعنا مسرحاً ومضماراً «للمفحطين»، حتى بعد أن تكرَّم المسؤولون ووضعوا فيه « مطبات» تمكنا بعدها على الأقل من نوم هادئ، جاء من أزالها..!!
بينما هناك شوارع فرعية صغيرة تحظى بالمطبات اللازمة لراحة ساكنيها واطمئنانهم...!!
بعد هذه السنوات الخمس على حادثة بيتنا، طرق طارق في استحياء ليقدم نفسه على أنه والد الشاب الذي صدم فقضَّ، ونقض، وحطم، واعترف بخطيئة ابنه، وأنه جاء للاعتذار، ومعه مبلغ من المال يريد أن يكفِّر به عن ذنب ابنه..!
كيف توصل بعد هذه الأعوام لهذه النتيجة..؟
قال: «ابني الآن يدرس في كندا، وقد اعترف لي بأنه المخطئ حين كان يلاحق آخر..، وأنه في غربته قد شعر بالندم، وهو يعترف بالخطأ الذي أنكره فيما قبل..، معترفاً بأنه شك قبلاً في ابنه، وحقق معه، لكنه أنكر، وبرّر بالعديد..... مع أن عربته كانت قد أصيبت أيضاً « هكذا قال: «ضميري كان يناقض ابني حتى اعترف الآن»..!!
جاء الأب ليصحح الخطأ بالتعويض عمَّا سلف...، وكان التعويض الذي قبلناه وقدّمناه هو قبول الاعتذار، ومعه الصفح منا، أخذ الجار مغلفه بما فيه من النقود وذهب.. حيث كان راحلاً من الرياض لكندا..!
هذا الاعتراف كان وثيقة ثقة في توبة من ينشأ على التقوى، ومراعاة الحق والواجب، وإن زلقت الأقدام بطيش الشباب، وروعنته.. لكن العودة حاصلة، والمحصلة نجاة...
تذكّرت هذه الواقعة، وأنا أقرأ قبل فترة وجيزة عن شاب آخر في الجوف كان قد سرق قبل سبع سنوات «سلكاً كهربائياً» طويلاً من مزرعة كان صاحبها يعرض بضاعته للبيع وكان هو أحد المشترين..!
لكنه بعد هذه السنوات جاء ليعيد ثمن السلك الكهربائي مضاعفاً وهو يقول في رسالة بعثها لابن صاحب المزرعة الذي كان قد مات قبل أن يعرف من الذي سرقه:
«الأخ صاحب هذه المزرعة، قبل 7 سنوات أو أكثر عندما كنتم تعرضون الأعلاف بالمزرعة أتيت أشتري وكان بجانب السيارة سلك كهربائي طويل، ظننت أنكم لستم بحاجة إليه، وعندما كبرت عرفت أن ما فعلته لا يليق بنا كمسلمين وأن المسلم لا يجوز أن يأخذ ما ليس له».
الصغير كبر وكبر فيه اليقين بالحق، والقدرة على الاعتراف بالخطأ..، إذ يواصل في رسالته: «وعلمت أن صاحب هذه المزرعة يقال له عابد الجلال أنه توفي جعله ربي بالفردوس الأعلى من الجنة وموتى المسلمين وهو رجل مشهود له بالخير، وتجدون بهذا الظرف مبلغ 1000 ريال، وأتمنى من الله ثم منكم السماح على ما قمت به»...
وكيف لا يكون السماح في حين لا يتمنى المرء أكثر من أن يؤوب المخطئون، وينقى المجتمع..، وتتطهر النفوس ولو بعد حين...؟
فهل كل السارقين، والمعتدين قابلين لأن يؤوبوا ولو بعد حين..؟
وإن طال..؟!!