د. خيرية السقاف
بلا ريب فإن التعديات اللفظية في وسائل الإعلام والتواصل، وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي «التويتر» تستوجب العقوبة في حال خرجت عن المباح..،
من هنا صدرت اللوائح التنظيمية للعلاقات الفردية عبر هذه الوسائط، ووضع قانون يمنع هذه التعديات، وتم تصنيفها، وقننت عقوباتها، بالتدرج من أدناها السخرية، لأعلاها القذف، والتشهير، فأعظمها المساس بالعقيدة،..
وهناك تفصيل، وتفسير لبنود التنظيم الخاص بها يشمل نوعية التعديات، وأنواع العقوبات.. وبات ذلك معروفاً لدى الجميع.
إذ قد طبّقت بعد أن أعلنت باتخاذ التفعيل اللازم بشأنها، استقبالاً للشكوى، وتحقيقاً فيها، فإصدار الأحكام المناسبة لكل حالة، ومن ثم تنفيذها، الأمر الذي خفت معه الصوت المجلجل الذي كان يصم الآذان مجرد أن ركب الناس موجة الفضاء الإلكتروني، فظنوا أن فضاءه مانع حصونهم من أن تدك....
كان ذلك إلى مدة قريبة ماضية، تأذى فيها الكثير من الكثير، بعد أن انبجست البئر بمائها.. حتى ألجمت، وقُطِّعت حبال دلائها بهذا الإجراء التنظيمي..!!
لكن يحدث أن يفسر النقد الموجه للإصلاح، ولكشف الضروري من التجاوزات في مؤسسات المجتمع على أنه موجه لطيوف المسؤولين عنه أو جهة عملهم..، وهو خيط رفيع يفصل بينهما، معه لا بد أن يميز بين النقد الهادف، الكاشف عن حقائق قصور ينبغي التصدي لها في مؤسسات المجتمع، ومن الضرورة أن يتاح للناقدين بهدف الإصلاح أن يدلوا بما لديهم عنها دون تردد، أو خشية تأويل سالب يخرجها عن مساقها، وبين الترصد للهفوات اليسيرة، بهدف الإساءة للأفراد أو لجهات العمل المنتمين إليها.. بجعل النقد مطية للتجاوز، والتعديات الموجبة للعقوبة..
فالنقد الهادف، يقابله النقد الجارح، فالأول مباح، ويستحق الشكر لمساندته المسؤولَ المباشرَ ليعلم ومن ثم ليصوِّب، والآخر مرفوض إن كان مطية للإيذاء...،
فنقد الفساد عند ثبوته، والخطأ عند وروده،
وهدف الإصلاح بإيضاحه، والكشف عنه، هو من المبادرات رفيعة الإحساس بالمسؤولية، وهذه المبادرات واجب عين، لا كفاية..، يُقتضى الأخذ بها..، وهي من علامات صحة المجتمع لا مرضه كالأخرى.
ذلك لأن كلمة الحق تفرضها المواطنة السليمة، ولا بد أن تشرع لها كل السبل.
وهناك منافذ كثيرة أتاحتها مؤسسات المجتمع في حساباتها في منافذ التواصل الاجتماعي وكما في خطوطها الساخنة مثل النموذج المتفوّق وزارة التجارة، وهي التي أثبتت جدوى أساليبها في تلقي كلمة الصدق في النقد الهادف لمرافقها، وها هو التاجر، والمستثمر، والجميع فيها يخضعون لعين الرقيب، ومعرضون عند الخطأ للنقد، ومن ثم مطالبون بالالتزام..، وجارية عليهم العقوبة..، كذلك كل جهة تضع وسيلة للتواصل مع الجمهور..
وهذا أمر لا لبس فيه، إلا أن هناك من يتخذ مما يُكتب نقداً عن أخطائهم، أو أخطاء أفراد في مؤسساتهم أمراً ذاتياً، فيفسرون ذلك بالتشهير بهم أو بمؤسساتهم، مستغلين الخيط الواهن بين النقد القاصد الإصلاح، ونقد التشهير سلمة لرفع شكواهم، ومن ثم شغل الجهات المختلفة ذات المساس بالتحقيق.. و.. و..
وهذا وجه من أوجه رفض المواجهة، والتبرير للخطأ..
وهذا نوع من استغلال اللبس بين المتاح، وغيره في النقد..،
كما هو تعطيل لسعة التعبير، ولتمكين طرح الأخطاء الواردة للعيان سواء من أفراد، أو مؤسسات...
فنقد أخطاء المؤسسات الخدمية التي لها علاقة مباشرة بالأفراد مثل المواصلات، والمرور، والكهرباء، والماء، والاتصالات، ومكاتب العمل والعمال، وروتين فض النزاع في وزارة العمل على سبيل المثل لا ينبغي أن تعتبر تشهيراً إن خاض فيها من لديه علم، أو تعرض لموقف، ولا ينبغي أن يُؤخذ النقد فيها على أنه مساس شخصي مقصود فتقدم الشكوى، ويُقام التحقيق مع المتناولين لها في وسائل التواصل، أو النشر، فذلك تعطيل لسيرورة التصويب، للضرب على القصور، والخطأ بقوة، بل لعل ما يكتب يكون مادة خصبة في يد من يريد أن يكشف الآخرون له عيوب مؤسسته.. أو نفسه ذاته..!
إن ما أتيح على صعيدي الناقد والمنقود في المرحلة الراهنة، يساعد على تصحيح الكثير من شائك العلاقات بين المواطن وجهات العلاقة بمصالحه.. وهي نقلة تحسب ضمن التطوير الشامل.
ولعل كل فرد ومسؤول أن يتخذ له قدوة..
وأجمل مثل لهذه القدوة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق رضي الله عنه الذي كان يسأل عن عيوبه ويقول: «رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي»، بينما الناس الآن تقيم الشكوى، وترفع الدعوى على من يهديها عيوبها...!!