زكية إبراهيم الحجي
يكاد يجمع الكل على أن القراءة من أهم الأنشطة المحورية والمهارات اللغوية التي تُمكن الفرد التزود من بحر المعرفة الواسع، ناهيك عن تطوير القدرات العقلية، وتحقيق الإشباع النفسي والفكري، وتوسيع مدارك الخيال والوجدان لدى الفرد، مما يمكنه من فهم بيئته ومحيطه بشكل يسمح له بالتكيف السريع والاندماج في المجتمع الكبير..
لذلك نجد الكثير من الدراسات قد تناولت مفهوم القراءة والمناهج المقاربة لها بمزيد من الاهتمام، إلا أن المشاهد هو أن القراءة عند الكثير ليست بذلك الإدراك البصري للرموز المكتوبة التي تُحَوّلُ شفرة المكتوب إلى فهمٍ عميق عند البعض من القراء، ما يمكنهم من فك الرمز واستيعاب الجوهر، وإذا فقد العقل الإنساني فهم وإدراك مغزى المقروء انتفت متعة القراءة؛ لذا فالفهم والمتعة عند قراءة كتاب أو قصة أو رواية أو حتى مقال أو خاطرة، تستدعي انسجام العقل فكرياً ونفسياً مع كل ما هو مقروء؛ وذلك لفهمه وتبَيّن محتواه وترجمة دلالاته.
بالعودة إلى البيئة المدرسية والفصول والجداول الدراسية، وتحديداً إلى حصص مادة «القراءة»، نجد أن ما يطمح إليه غالبية مدرسي اللغة العربية هو تمكين الطالب تمكيناً جيداً من المهارات القرائية؛ كي يستطيع التفاعل مع المقروء، لكن العائق الأكبر أمام طموح المدرس هو غياب الاهتمام بالقراءة لدى المتعلم في ظل الغزو التكنولوجي، وسيطرة وسائل الإعلام والاتصال الحديثة على الواقع الذي نعيشه الآن، فأصبح المجتمع مجتمع صورة ولوحة مفاتيح، وما أدرانا ماذا ستفعل وسائل تقنية الغد مع الأجيال القادمة إذا ما تداركنا الوضع بتنشيط رغبات المتعلم، واستثارة ميوله القرائية، وتحويل القراءة لديه من مجرد مهارة آلية إلى وسيلة للمتعة، يحقق من خلالها حاجاته النفسية والفكرية والثقافية.
ورغم أن أمتنا دائماً ما تفخر بأن أول كلمة نزلت على سيد المرسلين محمد «صلى الله عليه وسلم» هي كلمة «اقرأ»، إلا أن الواقع الفعلي يشير إلى أننا أمة قليلة القراءة، إن لم يكن لا تقرأ البتة.. ما سَبّبَ ذلك ضعفاً شديداً في المهارات القرائية والمهارات الإملائية.. وكذا صياغة العبارة لدى الكثير من أفراد المجتمع الوظيفي والمجتمع الطلابي، وكذلك كثير من أفراد المجتمع الأكاديمي.. وحتى لا نبقى كذلك علينا أن نتدارك الأمر ونبحث عن مسببات تدني مستوى القراءة عند كثير من أفراد المجتمع واستنباط العراقيل التي تَحول دون الاستمتاع بالقراءة والتفاعل وجدانياً وفكرياً مع السطور المقروءة.. وكم سيكون الأمر رائعاً وفعالاً عندما تتحمل الأسرة مسؤوليتها التربوية بغرس حب القراءة في نفوس الناشئة مع توفير الفضاءات الملائمة كتوفير مكتبة منزلية غنية بقصص وكتب منوعة ومناسبة، وأن يكون الوالدان المثل الأعلى للأبناء من خلال الحرص على التواجد في مكتبة المنزل والمداومة على القراءة.. كذلك ومن باب استعراض المسؤوليات المتعددة بات من الضروري الاهتمام بالمكتبة المدرسية داخل المؤسسات التعليمية، وتوفير ما يناسب كل فئة عمرية من قصص هادفة وكتب منوعة ما بين ثقافية وعلمية وتاريخية.. وعلى معلمي اللغة العربية دعم الميول الإيجابية عند الطلاب المهتمين بالقراءة وبث الروح الحماسية والتنافس من خلال تنظيم مسابقات متنوعة في مجال القراءة.
خلاصة القول.. نحن بحاجة لتضافر الجهود كافة؛ لتكريس عادة القراءة وترسيخها في نفوس الأبناء؛ ليكتسبوا مناعة ذاتية تمكّنهم من تجنب هواجس العزوف عن القراءة، وعلينا أن نكون قدوة لهم في مجال القراءة لتكون أقوالنا منسجمة مع أفعالنا.