د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
في زمن الاغتراب تكوّنت له صداقاتٌ ما يزال يشعرُ بالانتماءِ إلى معظمِها ولو شطَّ المزارُ وتباعد العهدُ وشغلتنا شؤونُ الحياة، ولا ينسى منها جارَه الأميركيَّ الذي دعا صاحبَكم إلى منزله أكثرَ من مرة وتعرف عنده على شابٍّ إيرانيٍّ وقت عنفوان ثورة الخميني وحداثةِ الذاكرة بقضية الرهائن الأميركيين وتوالي مسلسل الإعدامات الذي اختطه نظامُ الملالي وتزايدِ كمِّ السخطِ الذي اجتلبه لنفسه بين المجاميعِ الشابة حينها من مختلفِ الاتجاهات والديانات، وكان صديقُنا الإيراني مسكونًا بالأسى من واقع وطنه المهووس بالانتقامِ من المعارضين وتصديرِ الثورة للمستقرين حيث نُصبت أعوادُ المشانق وظهرت نواتجُ السياسات التخريبية تباعًا في أحداث «العراق والشام والبحرين واليمن ومحيطاتِها» وما تزال.
* * كنا - مبتعثي تلك الفترة وفي حوادث فرديةٍ شهد صاحبُكم إحداها - عرضةً للإيذاء من قلةٍ من الأميركيين لظنَهم أن العربَ والفرس أرومةٌ واحدة فاتهمونا بأزمة الرهائن وسمعنا من ينادي بأخذنا بدلاءَ لهم، ولم نستطع إفهامَهم المقولة المنسوبة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ولا نعلمُ صحة مفرداتها لكننا نتيقنُ صدق معناها»: «ليت بيننا وبين فارس جبلًا من نار لا يأتون إلينا ولا نذهبُ إليهم» كي يعوا أننا لسنا هم دون أن ندعيَ فضلًا لنا كما لا نقرُّ بفضلٍ لهم وإن اكتوينا بكرههم لما هو عربي وما هو سني فاتسعت مسافاتُ الفصل وتضاءلت روابطُ الوصل وعاد التراثُ المملوءُ شواهدَ ومشاهدَ مجذرًا الهوةَ المبررة كما اختصرها صاحبُ «العواصم من القواصم» حيث أشار «القاضي أبو بكر ابن العربي 468-543هـ»- محاكمًا غلوّههم في سيدنا عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه - إلى أن كلامهم كفرٌ باردٌ لا يؤثر فيه دفءُ المناظرة بل تسخنه حرارةُ السيف.
* * نهجٌ عدائيٌ اتخذ النارَ بديلًا للحوار والتصادمَ نائبًا عن التلاحم والإيذاءَ الممنهجَ والضجيجَ المبرمج، وجاءت حادثةُ احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية بطهران من أوائل حكايات الإرهاب المنظم الذي أدارته دولةٌ بمؤسساتها الرسمية كما مثلت إرهاصًا للإرهاب «الميلشويِّ» الصفويِّ الذي يتجاهله الغرب والشرق دون أن يعي أن «للقاعدة» قواعدَ صفويةَ الأصل والمنبت والولاء تطمحُ إلى تتويج «كسرى» واقتسام الغنائم مع «قيصر».
* * لم يختلف النظامُ الإيراني «البهلوي» عن «الإمامي» في اضطهاد المثقفين؛ فكما سُجن المفكر «علي شريعتي» في ظل نظام الشاه ثم اتُّهم بقتله في لندن عام 1977م أَعدم نظامُ الخميني رفيقه «صادق قطب زادة» عام 1982م لانتقاده «ولاية الفقيه»، وهو النظامُ نفسُه الذي حرم أهلَ السنة من مساجدهم وعربَ الأحواز من هُويتهم والمعارضين من أصواتهم.
* * غِيض الماء، واغترب دجلةُ العراقِ وفراتُ سوريا وجنوبُ لبنان وبابُ اليمن تحت رايات كسرى؛ فلم يبق إلا «الأسنةُ مركبا».
* * الكرهُ أسود.