عبدالحفيظ الشمري
الحرف الشعبية، والمشغولات اليدوية، والمصنوعات القديمة، لا تزال تشكل واقعاً تاريخياً ومشهداً جمالياً نتواصل من خلاله بعوالم «التراث الحرفي» البسيط وغير المتكلف، حيث استطاعت هذه الحرف والمشغولات في الماضي أن تقدم الكثير من الحلول الحياتية بأسلوب عفوي لا يخلو من لمسات جمالية، تبتعد عن الصنعة، واطر التصنع، ولهف التكسب، وطغيان المادة.
فالمجتمع -وهذا هو الأهم- لا يزال ينظر إلى مكونات الماضي نظرة تقدير وإجلال واحترام لهؤلاء الذين قدموا الكثير من الصور الإنسانية المعبرة، ومنها هذه الحرف والمشغولات والأعمال الفريدة التي لا يمل أي إنسان من مشاهدتها باغتباط ودهشة، لأن هناك بعداً وجدانياً عميقاً لا يزال يشده إلى هذا الكيان ويتفاعل معه، ويذهب إليه في أي مكان من العالم، ليتأمله، أو يقتنيه بسعادة وحبور.
فالحرف الشعبية وما تحمله من تكوين جمالي لا يزال بحاجة إلى صيانة، وحفظ وتوثيق، ومسح شامل لمقتنياته، وتأصيل تراثه المعنوي والمادي، وذلك من خلال وسائل التوثيق والحفظ، وسبل العرض للكثير من هذه المنجزات المرتبطة بالماضي، وليكون لجيل اليوم والمستقبل دور في بناء هذه المنظومات التي ترعاه وتصونه، وتقدمه للمشاهد والمتابع بشكل مناسب وشيق.
ومما يعزز بقاء الحرف اليدوية والمشغولات الشعبية سوى عودة أهلها إلى ممارسة أعمالهم في مجال التراث، ومن ثم يأتي دور الأبناء الذين يُعَوَّلُ عليهم كثيرا أن يأخذوا زمام المبادرة في صيانة منظومات هذا العمل الجميل، وتقديمه للناس، وأن تكون جهودهم امتدادا لدور الآباء والأجداد الذين شيّدوا هذه الواجهات المشرقة، وأعدو لنا الكثير من الأعمال والمشغولات التي لا يزال بريقها قوياً في الذائقة، ومتأصلاً في الذاكرة والوجدان.
فهذه الحرف والمشغولات اليدوية لا شك أنها بحاجة إلى أنماط جديدة للعرض، تتمثل في تقديم التراث من خلال وسائل تقنيات الحفظ والأرشفة المتطورة، ومن خلال دور حيوي للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الحديث، على نحو حفظ وأرشفة الصوت والصورة والمعلومات عن كل متعلقات هذه الحرف الشعبية، ولا مشاحة أن تتحول هذه العملية إلى ما يشبه التخصص في هذا المنجز، أي أن يكون هناك وظائف رسمية، ومهام ثابتة لمن يقومون بمهمة العمل بالتراث وتوثيقه، ليكون المشروع التراثي محققاً لمعادلة المتعة والفائدة.
فعلى سبيل المثال يفترض بجيل اليوم ممن يتعاطون تجربة فن التصوير الفوتوغرافي والضوئي أن يتحملوا واجبهم الحضاري والإنساني، وذلك بنقل التراث وتوثيقه من خلال عدساتهم، لكن بطرق متقنة، وتحت إشراف جهات معنية بهذا الأمر، ولا مانع من أن يكون للهواة دور في صنع تجربة توثيق التراث وحفظه.
وبما أن الحرف الشعبية في وطننا متعددة ومنوعة فلا خوف عليها من النسيان، ليتأكد لنا في هذا السياق أن هذا التعدد والتنوع في تجارب التراث هو مصدر ثراء للتجربة الثقافية والإنسانية لنا جميعاً، فعلينا أن ننجز هذه الحالة من الوعي بأطر عملية، وأعمال جادة تخدم الذائقة، من أجل أن يحقق التراث أسمى غاياته في البقاء خالداً في ذاكرة الإنسان.