عبدالحفيظ الشمري
منذ أن عُرِفَت الترجمة وهي تقوم بدور تنويري مهم، وقد تم من خلالها بناء حالة معرفية ترسخت جذورها منذ الأزل، بنوعيها الشفاهي والكتابي، كما أنها لا تزال هي الوسيلة الوحيدة التي يُعتمد عليها في نقل الكثير من الثقافات والمعارف والعلوم والمؤلفات من لغة إلى أخرى على مر العصور، لذا فإنها تظل علامة بارزة للوعي وتَقَدُّم الفكر لدى الكثير من الشعوب في كل زمان ومكان.
فقد تخلق من الترجمة مشروع جديد عرف بالدبلجة أو الدبلاج، وهو حالة فنية متميزة، تطورت بشكل سريع، وخدمها الكثير من الفنانين والممثلين، لتكون رافداً فنياً من روافد الدراما والتمثيل، ونقل البرامج الثقافية والعلمية والوثائقية من لغة واحدة إلى لغات عدة، ولم يقف الأمر عند شأن الإذاعة، إنما تجازوها نحو التلفاز الذي تميز في استقطابه لهذا الفن، فلم يعد مقتصراً على الترجمة، إنما تعداه إلى نقل صوتي متقن للكثير من الأعمال الفنية والوثائقية.
فالترجمة والدبلجة هي أبرز ما يمكن تناوله والسعي إلى إنجاح مشروعه في العصر الحديث، وتظل الضرورة ملحة حينما يكون له علاقة بمشاريع إبداع الطفل وثقافته، فلا بد لنا إلا أن نتوقف عند حالة الترجمة والدبلجة بوصفهما حالتين متواليتين من حالات التلقي الضرورية عند الطفل في الجيل المعاصر، على نحو القصص والحكايات والرسم والتعبير والتمثيليات ومشاهد المغامرات، وأفلام الترفيه، والخيال العلمي الذي يحتاج بالفعل إلى طاقة هائلة وكوادر عاملة من أجل مشاريع الترجمة، وتوفير معامل الدبلاج، وإنتاج الصوت والفرز، ليكون للطفل دور في معايشة الواقع الحياتي في العالم من حوله.
وحينما ننظر إلى الترجمة والدبلجة في مشروعنا العربي لا بد لنا إلا أن نتوقف عند عمق تاريخي يظهر جدوى الترجمة في حالة نقل المعارف والعلوم والحكايات من ثقافات وإبداعات أخرى، على نحو كتب «كليلة ودمنة» و»حي بن يقضان» و»أخوان الصفا» و»ما قيل على لسان الطير والحيوان»، إضافة إلى الكثير من الحكايات التي اجتهد فيها علماء وكتاب عرب لينقلوها معربة للطفل.
هذا عمق تاريخي فريد للترجمة، أما وأن تناولنا حالتها في العصر الحديث فإننا سنتوقف عند تجربة لا بأس بها، إلا أن هناك معوقات عدة تواجهها، ربما من أهمها ندرة العمل المترجم إلى العربية، رغم أن تجربة التلفاز جسرت الهوة من خلال السعي إلى الترجمة والدبلاج الذي أسهم في نقل الكثير من الأعمال الفنية والتراثية والوثائقية والترفيه والمعارف والفنون.
فالدبلجة أو الدبلاج حينما تأتي تكون بلا شك معاضدة ومطورة لفكرة الترجمة في المجال المسموع أو المرئي، وبما أنها حالة جديدة وفن عصري انطلق مع مشروع الإعلام المرئي، إلا أنه يتطلب من الدول العربية لفتة مهمة نحو هذا المضمون الفني الراقي، وربما نجد أن مدينتي عَمَّان وعجمان هما أفضل مدينتين عربيتين أسهمتا في تطوير مشروع الترجمة والدبلجة، فيما ننتظر من باقي المدن والعواصم أن تنهض نحو هذا الفن وتقدمه للمجتمع بشكل أفضل.