عبدالحفيظ الشمري
حينما يسيطر المنطق المادي، ويتغلغل المفهوم التربحي أو التكسبي في الكثير من الرؤى الحياتية، والممارسات الاجتماعية؛ لا شك أنه سيجعل منها حالة مادية أحادية، تسيطر على المشهد الإنساني، فتخذله، وتفت في عضده، لتجعله فصلاً من فصول النهم، والبحث عن أي مردود مادي حتى وإن كان على حساب الجوانب الإنسانية، وضد القيم الجمالية، ومثال ذلك مخرجات ثقافة الطفل ومحتوى الأدب والإبداع الموجه إليه، على نحو استدراج منجزات التراث والماضي المعنوي منه والمادي ليكون ركيزة من ركائز بناء الذائقة للطفل وأسرته.
المعنى في ذلك أن مشروع الكتابة للطفل وثقافته وأدبه وإبداعه باتت مستهدفة منذ زمن في صيغ العرض والطلب للمنتج الثقافي المقدم هذه الأيام، على نحو القصص والحكايات والأقراص والبرامج، والتطبيقات الإلكترونية، ليظهر جلياً أن هناك استحواذاً ما على مادة ما يقدم للطفل، ووضعها ضمن رؤية مادية، أو تربحية، إلا أنك حينما تتفحص الأمر في سياق علمي، وتقييم منهجي لجودتها ومحتواها، تجد أن جلها دون مستوى المطلوب، رغماً أنها للأسف زاهية في ألوانها، وبراقة في مظهرها، وتشهد إقبالاً محموماً من قبل الأسرة والطفل، إلا أنه ليس معياراً حقيقياً لنجاحها.
فما يقلق في هذا الأمر أن عجلة النهم والاستهلاك تسعى إلى أن تجعل من ثقافة الأسرة والطفل ووعيه ترساً من تروس الاستغلال المادي، فتحركه -للأسف- هذه النظرة التكسبية المؤذية، مما يعزز رؤية تشير دائماً إلى أن الأسرة والطفل مستهدفة في التحشيد الترويجي لأي منتج، لتتعداها - كما أسلفنا - إلى ثقافته ووعيه وقيمه، فباتت آلة الاستهلاك تضعه على سلم قوائمها الأولى.
ونحن هنا لا نستبعد واقعية أن يكون المجتمع مستفيداً من بعضه بعضاً، من خلال هذه الخدمات، إنما يجدر فيها أن تكون واعية لدورها التربوي، ومعتدلة في طرحها، وأن تعمد إلى استقطاب أهل الثقافة والمعرفة والمختصين في التربية والتعليم، لكي ينجزوا أعمالاً ثقافية وأدبية وتربوية وترفيهية، لا أن تكون مجرد جهود تبحث عن تقديم مادة تثقيفية آلية ومصطنعة، لا تجد فيها روح العطاء، أو عمق التجربة.
فالباحث والدارس الجاد قد يقف على حقيقة أن جل الأسماء التي تكتب وتعد وترسم للطفل تبدو وهمية وغير معروفة، مما يعزز ضرورة المناداة بأن تكون هناك أسماء كُتَّاب ومؤلفين معروفين وفاعلين في هذا المجال، ليسهموا في تقديم تجاربهم في الكتابة والإبداع للطفل والأسرة، وليحرصوا على رسالة الثقافة والمعرفة أكثر من حرصهم على المردود المادي، لعله يناهض ما يظهر - للأسف - في مكونات ما يعد للطفل على عجل حتى وإن لم تنضج بعد. ففي نظر هؤلاء المستثمرين إنه لا يهم المحتوى طالما أنها تسد طلب السوق من هذه الأعمال!
فالعودة إلى جهود الكتاب، والأدباء، والفنانين، ورسامي الكاريكاتير والرسوم المتحركة، والتربويين المتخصصين في هذا المجال مطلب مهم وحيوي، لتتعادل في هذا السياق حالة الوعي والنضج، ولا مانع من عقد شراكات اقتصادية نافعة ومفيدة، فلا تُستبعد المادة ودورها الحيوي، أو تُقَرَّبَ المعرفة من أجل مكاسب مادية وحسب.