راجا جايارامان - جوناثان كيرين بلاك - تيا أورميرود - ستيفن بيكارد - سيدني:
يبدو أن الزخم بدأ يتراكم في دعم التوصل إلى اتفاق عالمي في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باريس في ديسمبر/ كانون الأول. ومع هذا الشعور بالتفاؤل يأتي وعي تام بضرورة التخلص تدريجياً من استخدام الوقود الأحفوري على مستوى العالم في أسرع وقت ممكن. والواقع أن الرأي القائل بأن الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي لابد أن تنخفض إلى الصِفر بحلول عام 2050 بدأت تكتسب قبولاً أوسع.
الواقع أن الاقتراحات المبكرة تعمل على تحريك الأمور بالفعل. فقد بدأت الجامعات، وصناديق التقاعد، والكنائس، والبنوك، بل وحتى ورثة ثروة روكفلر النفطية، في سحب أموالهم من أصول الوقود الأحفوري أو يفكرون في إمكانية سحب استثماراتهم - وهو الخيار الذي أصبح جذاباً على نحو متزايد بسبب الانخفاض السريع في تكلفة الطاقة المتجددة.
ولكن في مواجهة هذا التقدم، يظل قطاع واحد على حِدة. فيبدو أن صناعة الفحم عازمة على الكفاح في سبيل تحقيق الأرباح على حساب البيئة العالمية. وعلى نحو شاذ، تبذل هذه الصناعة محاولات شرسة للاستيلاء على أرض أخلاقية مرتفعة من خلال الزعم بأن الفحم يشكل ضرورة أساسية لإنهاء فقر الطاقة.
تزعم شركات الفحم وحلفاؤها أن الحد من إنتاج الفحم من شأنه أن يحرم المجتمعات الريفية من الإنارة من خلال منع البلدان الفقيرة من بناء محطات طاقة رخيصة وكبيرة. وعلى حد تعبير أحد الحلفاء، رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت: «دعونا لا نشيطن الفحم، فالفحم خير للإنسانية». وفي حديث ألقاه في حفل استضافته مؤسسة سياسة الانحباس الحراري العالمي، وهي مركز بحثي يشكك في تغير المناخ، اتهم وزير البيئة السابق في المملكة المتحدة، أوين باترسون، الناشطين في مجال تغير المناخ بأن أيديهم «ملطخة بدماء الأفارقة».
وإذا نحينا جانباً الطبيعة العدوانية العميقة التي تتسم بها الجهود الرامية لإسكات منتقديها، فإن صناعة الفحم تطرح اختياراً زائفا: فإما أن ننهي استخدام الفحم أو ننهي الفقر. ولكن برغم أن الطاقة تشكل أهمية مركزية حقاً للجهود الرامية إلى إنهاء الفقر، فلابد أن نتوخى الصراحة والوضوح: عند هذه المرحلة في التاريخ، لا يعود الفحم بخير على أي إنسان.
ولنتأمل هذا: برغم كل الاهتمام الذي تلقاه فيروس إيبولا في الأشهر الأخيرة، فإن الفحم قاتل أشد فتكا. ذلك أن الرماد السام المتطاير يقتل نحو 800 ألف شخص سنوياً ويصيب بالمرض ملايين آخرين. وتقدم لنا معركة بكين الجارية ضد الضباب الدخاني - وهي المشكلة التي باتت معروفة بمسمى «نهاية العالم بسبب تلوث الجو» - تَذكِرة قوية بتأثير الفحم على نوعية الهواء. ولكن عاصمة الصين ليست فريدة في هذا الصدد. فالعديد من المدن الهندية تعاني من تلوث الهواء بنفس القدر من السوء - وربما أشد في بعض الحالات.
والفحم هو أيضاً المساهم الأكبر في تغير المناخ، والذي يهدد بتعريض 400 مليون شخص في البلدان الأكثر فقراً لخطر النقص الغذائي والمائي الحاد بحلول عام 2050.
وتسعى صناعة الفحم إلى إثقال كاهل البلدان النامية بنفس نموذج النمو غير المستدام الذي دفع الأرض إلى حافة الكارثة المناخية. وكما حذر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ مراراً وتكرارا - وكما أظهرت تجربة بلدان مثل جزر مارشال بقدر متزايد من الوضوح - فإن تغير المناخ لم يعد تهديداً بعيداً في المستقبل. بل إن العواقب الرهيبة المترتبة على إحراق الوقود الأحفوري أصبحت ماثلة بالفعل، وسوف يكون فقراء العالم هم الأشد معاناة.
إن أغلب الناس يفهمون أن الفحم صناعة قذرة، ويتعين على بلدان مثل أستراليا أن تهجره من أجل رفاهة اقتصاداتها، فضلاً عن حماية المناخ العالمي. ولهذا السبب نشهد مثل هذه المقاومة من قِبَل الصناعة. لقد ولت أيام صناعة الفحم، ولكنها تبذل محاولات مستميتة للبقاء.
إن العالم في احتياج إلى تحول سريع وعادل بعيداً عن مصادر الطاقة القذرة. وهذا يعني تنظيف الاقتصادات المتقدمة والعمل على منع التوسع الهائل للصناعات التي تدمر صحتنا الجماعية ومستقبلنا، كما يعني العمل مع البلدان النامية لمساعدتها في تطوير مصادرحديثة ونظيفة للطاقة توفر طاقة رخيصة منتجة محلياً ولا تضطرها إلى شراء الوقود الأحفوري.
وفي المقام الأول من الأهمية، يعني هذا أننا لابد أن نتوقف عن إخبار الفقراء في البلدان النامية ماذا ينبغي لهم أن يفعلوا وأن نبدأ في الإصغاء إلى ما يريدون. وما يريدونه - وهذا من سوء حظ صناعة الفحم - هو الطاقة النظيفة الميسورة التكاليف التي تدفع حاضرهم إلى الأمام من دون أن تكلفهم مستقبلهم.
- راجا جايارامان/ نائب رئيس المجلس الهندوسي في أستراليا.
- جوناثان كيرين بلاك/ حاخام في مركز ليو بايك لليهودية المتقدمة، ومؤسس الائتلاف البيئي اليهودي.
- تيا أورميرود/ رئيسة الاستجابة الدينية الأسترالية لتغير المناخ.
- ستيفن بيكارد/ المدير التنفيذي للمركز الأسترالي للمسيحية والثقافة في جامعة تشارلز ستورت.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2015.
www.project-syndicate.org