لكل مرحلة زمنية تمرها الأمة متطلباتها وتحدياتها مما يستدعي الوعي التام بالحاجة الماسة للإعداد والاستعداد لتشكيل مستقبلها ليكون حاضرها.
المرأة في أمتنا المسلمة هي الحاضن الفعلي والنواة الأولى لكل جيل فبقدر نضجها ومعرفتها بالحاضر ومتطلباته والمستقبل وتحدياته يتوفر لديها الوعي الكامل والفهم التام بمواطن التميز والحاجة إلى البناء الإيجابي للجيل والمجتمع، فتفاعل المرأة مع الحياة بإيجابية وانفتاح سينتج لدينا أجيالاً طموحةٍ ذات فكر ناضج متطلع متميز.
قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شبعاً طيب الأعراق
لكن للأسف إن المرأة تواجه تحدياً قد يبدو أزلياً عند البعض يمنعها من أن تكون ناضجة، حيث يُنظر لها في بعض الحضارات الماضية والمعاصرة نظرة دونية معللين ذلك بكونها اقل من الرجل ، فهي لا يحق لها ما يحق له ويتم تحقيرها وقد يتخطى ذلك في منعها من حقوقها .
مما لاشك فيه أن الله عز وجل خلق الجنسين مختلفين بحيث يكمل كل منهما ما ينقص الآخر ولكن ذلك لا يعني أن الأنثى يجب أن تتربى وتنشأ على أنها أقل شأناً من الرجل، فلا رأي لها ولا مستقبل إلا باقترانها به أو بأن يفرض عليها خططه التي يضعها هو لها دون رغبة منها، فلا استقلال فكرياً ولا فرصة لإتمام النضوج العقلي باتخاذ القرارات أو حتى المشاركة في اتخاذها.
الإسلام أتى ليرفع شأن الأنثى فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا ، وضم أصابعه ). رواه مسلم
يأتي هذا الحديث بعد أن كانت توأد في الجاهلية وكانت همٌ وغمٌ على الرجل الجاهلي قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}، لكن بعض طبائع الجاهلية لا تزال شائبة في نفوس البعض ونسوا أو تناسوا أن المرأة حرث ينبت ما بُذر فيها كما أنشدت إحداهن بيتاً للأصمعي تسترضي بعلها بعد أن بشر بالأنثى فغضب وحزن:
يغضب أن لم نلد البنينا
وإنما نعطي الذي أعطينا
فما إن سمع ذلك حتى قنع ورضي ورجع إليها.
ما أعنيه وأريد أن أشير إليه هنا أنه لابد أن تنمى في نفس المرأة بأن تنشأ منذ نعومه أظفارها على أنها مميزة بذاتها وبما حباها الله عز وجل من مميزات عقلية ونفسية تمتاز بها عن الرجل، ويجب كذلك أن يترسخ لديها حب الذات والاعتزاز بأنوثتها فلا يجب أن تخجل أبدا من كونها أنثى أو أن تحس بالنقص.
كما أن المرأة في عهد صدر الإسلام كانت تعمل وتنتج وتخير فتختار كما ورد الكثير عن ذلك في كتب السيرة والسنة النبوية المطهرة. فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى).
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى» رواه مسلم.
وروى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، واستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن... وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: طَُلقت خالتي، فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «بلى فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفاً» رواه مسلم، ومعنى تجدي نخلك: أي تقطعي ثمره..
كما عرف اشتغالهن بالتعليم والفتوى، وهذا مشهور بين أزواجه صلى الله عليه وسلم، بل نص العلماء على أن من الحكم من تعدد زوجاته - صلى الله عليه وسلم - أن يطلع الناس على سيرته في تعامله معهن ليكون قدوة للأزواج في تعاملهم مع أهليهم، وكان أشهرهن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما.
فالإسلام جعل للمرأة مكانة عالية لها فلم يهمش رأيها أو أن تُظلم وتُنتقص حقوقها ونحن نجد في هذا الوقت أن المرأة وصلت إلى مكانة عالية في المجتمع.
وكما قال الشاعر :
أنا لا أقول دعوا النساء سوافر
بين الرجال يجلن في الأسواق
يدرجن حيث أرَدن لا من وازع
يحذرن رقبته ولا من واقي
يفعلن أفعال الرجال لواهيا
عن واجبات نواعس الأحداق
في دورهن شؤونهن كثيرة
كشؤون رب السيف والمزراق
تتشكّل الأزمان في أدوارها
دولا وهن على الجمود بواقي
ما دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو تذكير البعض ممن لا تزال رواسب الجاهلية عالقة في أذهانهم تجاه المرأة وكذلك تذكير المرأة بأن تعزز استقلاليتها وأن تعرف الحقوق والواجبات التي أمرها الدين الحنيف بها، لا أن تستكين إلى الأفكار المستوردة والتي تدعو إلى تمردها، كما أن الرجل يجب أن يعلم بأن السنة النبوية المطهرة قد أكرمت النساء في أكثر من موضوع كما ورد عن الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه (رفقاً بالقوارير) وورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله (استوصوا بالنساء خيرا) .
نعيش بحمد لله في بلاد حباها الله شريعة ومنهاجا موافقة للكتاب والسنة ولكن متطلبات المرحلة و تحديات جيل العولمة والتواصل تستدعي منا أن نعزز هذه الأفكار وأن نؤكد على هذه القيم فإن تم ذلك على الوجه الصحيح قضينا بشكل كبير على المشكلات الاجتماعية من عنف أسري و عضل وغيرها، فما إن يلتزم كل فرد رغبة وطواعية وفهما بما عليه من واجبات ويطالب برقي ولين وحضارة بما له من حقوق ساد الود وحل الوئام وانتهت بإذن الله دواعي الشحناء والخصام.
- الخبر