إبراهيم عبدالله العمار
مُطرِّف بن عبدالله - رحمه الله - أحد التابعين. كان لهذا التابعي مُصلَّى، ولم يمكن إغلاقه تماماً؛ فكان هناك كلب صيد لبعض الناس المجاورين يدخل مصلاه أحياناً، وضايقه هذا طبعاً، وحاول فيهم كثيراً أن يكفّوا الكلب فلم يفعلوا، ولما رفض أصحاب الكلب أن يمنعوه من دخول مُصلّى هذا التابعي اضطر أن يدعو عليهم، فقال: «اللهم امنعهم بركة صيده».
أعجبني هذا التفكير. الكثير من الناس لو أنه رأى من حيوانٍ أذى كهذا لربما دعا عليه بالموت والكسر والمرض، وربما لعنه، لكن مطرف بحكمته لم يرد إيذاء هذا الحيوان، وفي الوقت نفسه لم يبالغ في الدعاء على أصحابه، فاكتفى بأن يدعو على الظالمين هؤلاء بأن لا ينتفعوا ببركة صيد الكلب. وما أكثر الناس الذين يمكن أن ينتفعوا بمثل هذا الرأي الصائب؛ فالكثير لا يكتفون بالدعاء على الحيوانات البريئة التي تتصرف بالفطرة، ولا تفكير، بل يدعو على من لا عقل له كالبشر ذوي المشاكل العقلية، بل الكثير جداً يدعون - لا شعورياً أحياناً - على الأطفال بل أطفالهم هم! ربما يضايق الطفل أباه أو أمه، ويكثر من الإزعاج والعناد، فيغضبان ويدعوان عليه بالبلاء أو الشلل أو الكسر.. إلخ. وأذكر امرأة كتَبَتْ قصّتها لما دعت على طفلها المزعج، وتحققت دعوتها، وسرعان ما أُصيب بإصابة كانت أشد على الأم النادمة من الطفل نفسه.
طالما تعجّبتُ من قدرة بعض الناس على احتمال الأذى إعذاراً للمؤذي بسبب صِغَره أو جهله، وما زلت أتعجب من حِلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان يؤذَى الأذى الشديد من قومه، ورغم أنهم كبار عاقلون، يعرفون خطأ فعلهم، إلا أنه كان يتأول فيهم الجهل، فيقول: «اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون». وكان يقدر أن يدعو عليهم؛ فينزل عليهم العذاب، ويزيلهم من على وجه الأرض.
أما من لا يقدر على هذه المنزلة من الحلم فيقدر على الأقل أن يعذر الطفل. يؤسفني أن أرى الناس يؤاخذون الأطفال وكأنهم كبار أصحاب عقول، فإذا خالف الطفل كلام أبيه صرخ به، ولامه، ووبّخه، وضربه، وعامله وكأنه شخصٌ كبير عاقل يخالف أوامره؛ لأنه لا يحترمه ولا يقيم له وزناً، لكن أين هذا من الحقيقة؟ الحقيقة أنه طفل؛ لا يعي ما يفعل.. تُعلّمه بعض الأدب فينساه غداً، وتأمره بأن لا يفعل شيئاً فيفعله، ليس احتقاراً لك، بل لأن طبيعته هكذا، لكن البعض يتعامى عن هذه الطبيعة، وينظر للفعل فقط، وينسى أنه هو نفسه كان طفلاً، ولم يكن أقسى عليه من أن يعامَل كالكبار من ناحية اللوم والتأنيب.
كم آسى على هؤلاء الأطفال الذين ابتُلوا بأهلٍ يسممون طفولتهم كل يوم بالغلظة، ويقتلونها بالعنف.. أهلٌ صادروا براءة أطفالهم وألزموهم بمعاييرهم بأشد مراقبة وأدقِّ محاسبة؛ فإذا زلوا أنزلوا بهم الويل.. أهل لا يستحقون كلمة «أب» ولا «أم».. أناس لا يفرقون بين ابن 7 سنين وابن 47.. يعاملون الصغير كأنه عاقل مدرك؛ يستحق كل ضرب وصراخ لو ساقته براءته الفطرية أن يخالف كلام أهله أو يزعجهم.
واأسفاه على تلك الطفولة المُغتالة.