أتذكر وأنا في مرحلة الدراسة المتوسطة حين كنا نجلس في المصلى مع إحدى مدرساتنا التي كانت تترك غرفة المدرسات وتأتي لتجلس معنا قالت يوما « حين تقول لي إحداكن عن شيء رأته مما يسوء أعيننا أو يخدش اللطف في أرواحنا في ما نصادفه في الشارع أو على الكورنيش أو في السوق أو في مجتمع نسائي « أقول لماذا لا أصادف شيئاً من هذا فأدركت الآن أن هذا من لطف الله ورحمته أن طمس عن عين القلب ما قد يصيبها بمرض يفقدها رؤية الأشياء بطبيعة النفس النقية فتخسر بذلك نعمة تذوق اللذة في الحياة .
أما ما دعاني لتذكر هذا فهو ما قرأته في أحد الكتب الذي أصيب مؤلفها بخيبة أمل من أكثر الناس فكتب بأحد فصول كتابه « بئس هذا الناس « يقول عن ذلك كنت أقول لمن أمحضهم النصح : أحبوا الناس, واليوم فلست أقول لهم اكرهوا الناس بإطلاق, لكني أقول أحبوا الإنسانية مجتمعة , واكرهوهم أفرادا ! وأن الحياة تفعل بهم ما تفعله القطة الغادرة بصغارها العمي العاجزين.
أما أنا فقد علمت شيئا من هذا، وقد كنت قبله لا أرى الناس إلا في ثياب الملائكة فلا أخاف أن أكون كالسحابة البيضاء التي تتخللهم غير أني أدركت من بعد ذلك أنك وأنت في قمة صدقك معهم يغدرون بك، وأنك وأنت في أعلى درجات الحس البريء يلطخونك بدم كذب ويلقونك في بئر أنفسهم الخبيثة.
ويفعلون الفعل الدنيء الذي يطوف عليك دون أن تعرف به فيقشعر له بدنك وأنت لا تعلم لم اقشعر ..!
ولكن إن سلمنا أنفسنا لهؤلاء أقصد بذلك أن تكون مثلهم لتحتاط بنفسك أقول : وأيم الله سنخسر أكثر مما نحتاط له, وما أؤمن اليوم به هو أن ندعو أن نكون عميا عن رؤية الحياة بهذا القبح فنتجرعها كالكأس الذي يهرب فيه صاحبه من مصابه فيستفيق على مصاب أعظم . في أمان الله.