يوسف المحيميد
لم أرَ من قبل فيلماً وثائقياً متميزاً، عن حالة اليمن، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، والانقلاب على شرعية النظام، كما هو فيلم المخرجة السعودية صفاء الأحمد، فقد عملت فيلماً وثائقياً موضوعياً، استطاعت من خلاله نقل المشهد اليمني الآن، وما حدث فيه قبل انتقال الرئيس اليمني عبدربه إلى عدن، عاصمة الجنوب.
في بداية الفيلم، وبينما صفاء تتجول مع الحوثيين، يشعر المشاهد أن الفيلم يهدف إلى نقل صورة جيدة عن الحوثيين، فهم الذين يتحدثون عن أنفسهم، وهم الذين يقررون ما يريدون إيصاله إلى العالم، ويصورون أنهم ليسوا في حرب مع القبائل، ولا مع السنة الشافعية، وإنما هم في حرب مع الدواعش وتنظيم القاعدة، ويراهنون على مأساتهم، وهم ينقلون مشهد موت زعيمهم ومعلمهم حسين بدرالدين الحوثي، عام 2004 على يد الجيش اليمني، في كهف مروان بأحد جبال صعدة، وهم يدعون أنه تم حرق الكهف بالبترول، ولعل أحد كبار الحوثيين الذي رافق المخرجة صفاء، كمرشد ودليل، يتوجد بلهجة تحدٍ وهو يستعرض الكهف وبقايا تالفة، بأنه هنا كربلاء الجديدة، هنا الحسين وأبناء الحسين وأمثال الحسين! ويزيد الطين بلة حينما وقف أمام الأسلاك الشائكة على الحدود السعودية اليمنية، وقال بسخرية بأنها لا تعني شيئاً، بما يكشف أطماع ميليشيات الحوثيين، في التوسع والاحتلال لو استقر لهم الأمر في اليمن!
جاءت الإعلامية والمخرجة صفاء الأحمد ضيفة على الناشط السياسي اليمني البارز الدكتور محمد المتوكل، وعلى ابنته رضية، التي تعد صديقة مقربة للمخرجة، ونقلت في سرد تاريخي، ووصف بانورامي مشوق، من هم الحوثيون؟ وما هي الزيدية؟ ونقلت كيف يغيرون الأئمة في مساجد صنعاء، في فعل طائفي واضح، حتى وإن ادعوا خلاف ذلك، ونقلت خطبة إمام حولي جديد، ثم انتقلت إلى منزل الإمام السني السابق الذي تم فصله من الجامع وطرده من منزله، ولم تكتفِ بذلك، بل انتقلت نحو الجنوب، حيث القبائل السنية، التي تحالف بعضها مع تنظيم القاعدة، وهم الذين يصفهم أحد المقاتلين، وهو زياد المجدلي، سني شافعي جنوبي، بأنهم إخوة السلاح، وهو يقول بأنه يرفض الحوثي تماماً.
من يشاهد هذا الفيلم الوثائقي يدرك أن اليمن دخل في أتون حرب أهلية طائفية، ومن يرى شعارات الحوثيين، وهي شعارات الثورة في إيران: الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام. يدرك حجم الاندماج والتوحد وليس التقارب، الحوثي الإيراني، وهذه الصرخة - كما يسمونها - منتشرة على الشوارع، وعلى من يرتدون ملابس الشرطة أو الجيش!
من أكثر مشاهد الفيلم حزناً، هي نهايته، حينما عادت صفاء إلى منزل مستضيفها الدكتور محمد المتوكل، لتكتشف أنه قُتل، وتشارك في عزائه بعدما كانت تنتظر طرح عدد من الأسئلة المهمة!
فيلم (من هم الحوثيون) فيلم وثائقي عميق وجاد، يستحق المشاهدة أكثر من مرة.