إبراهيم عبدالله العمار
عبدالله رجل فقير. عندما يحدّث نفسه عن المال فإنه يتمنى ما عند المكتفين. لا يريد عبدالله إلا أن يسد حاجته، فأول الأولويات هي القُوت، فإذا حصل على مصدر مال - كعملٍ ذي راتب ضئيل - فإنه يسعد بهذا لأن الدخل يضمن قوت يومه. صحيح أنه لا يكفي لاستئجار مكان مستقل ولكنه حصل على أهم شيء وهو الغذاء لكيلا يموت جوعًا. بعد فترة تختفي فرحة القوت ويريد عبدالله أكثر: بدلاً من السكن مع فقراء آخرين في مكانٍ وضيع يريد سكنًا مستقلاً، فإذا قدر أن يزيد دخله انتقل لمكانٍ صغير بالإيجار. صغير، لكنه له، لا يشاركه أحد. ما هي إلا فترة حتى تزول فرحة القوت والسكن ويريد عبدالله وسيلة نقل، فعمل أكثر ونسي النوم والراحة حتى قدر أن يشتري دراجة نارية صغيرة مستعملة. يا لها من فرحة! لا يضطر الآن للمشي الطويل أو الدفع للحافلة. يعتاد الوضع، يريد الآن ألواناً أفضل من الطعام والشراب، فيعمل عملاً إضافيًا كي يجمع ويدلل نفسه قليلاً. ثم يجد عبدالله وظيفة أفضل، فتتحسن أحواله كثيرًا ويشتري سيارة وينتقل لشقة أفضل. يجمع بعض المال ويدخل التجارة من بابٍ بسيط وهو بيع الخضار. تنتعش تجارته. يشتري سيارة أفضل وبيتًا. لكن لا يكفيه هذا، فيشتهي المزيد من المال، فيوسع تجارته ويزيد جهد عمله حتى يغتني بعد بضعة سنين وصار الآن في مصاف الأثرياء. لديه سيارة فاخرة وبيت فخم وزوجة رائعة. لكن زوجته لا تراه كثيرًا لأنه يعمل كثيرًا لتوسيع تجارته. تزيد الأرباح، تتكاثر الأموال، لكنه لا يتوقف، فيستمر ويستمر...
وهكذا دواليك. هذه نفسية الكثير من الناس. هذه قصة تتكرر دائمًا وأبدًا. إنه «الخط».
ما هو الخط؟ إنه ذاك الفاصل الخفي بين الحاجة والزيادة.. بين العَوَز والبَطَر. الإنسان يرى بمنظار الحاجة أولاً فيرغب في سدِّها، فإذا سدها رغب المزيد. أنه «التعود النِّعَمي»، يتعود المرء على النعمة فيَعمى عنها، بالرغم من أنها كانت منظاره الوحيد في السابق. لقد تجاوز الخط من دون أن يدري، فماذا على الجانب الآخر من الخط؟ على الجانب الآخر شيء معنوي. إنه الكبرياء، أو المفاخرة، أو الشعور بالإنجاز، وغير ذلك. من يعش برفاهية قد لا يتوقف عن جمع المال وإن كان لديه السيارات والقصور والنساء، ليس لأنه يحتاج بل لأن المسألة صارت الآن نفسية. لعله يريد أن يفاخر تاجرًا آخر.. أو يثبت لنفسه أنه يستطيع أن يعمل أفضل من عمل نفسه الآن.. أو ربما لا يحترم نفسه إلا إذا زاد دخل شركته 10 في المائة كل سنة. لا يهم السبب، لكن هذا الشخص وقع في فخ.. إنه عالم ما وراء الخط.. حيث تختفي الحاجة ومعها يختفي العرفان.. والقناعة.. والراحة النفسية.
من المهم أن يتذكر المسلم مبادئه، وإلا ضاع في هذا العالم. قال عليه الصلاة والسلام حديثًا يجب أن يُعلّقه كل من يحتمل ضياعه في عالم ما بعد الخط: «من أصبح منكم أمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها». إنها الأولويات، فإن شئت تجمع المال وتستكثر منه فافعل، لكن انظر لتلك الأولويات الثلاث وأشكر الله وافعل بعدها ما شئت، فقد صرتَ بصيرًا الآن في ظُلمة عالم ما بعد الخط.