د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
مهمة التكيف المروري مع الأوضاع التي تترتب على المشاريع الإنشائية الكبيرة داخل مدينة مكتظة بالسكان ليست مهمة سهلة، وعبؤها يقع معظمه على كاهل جهاز المرور وحده. وهذا الجهاز يعمل بقدر ما يستطيع لأداء هذه المهمة في مدينة الرياض - وليس فيها وحدها. مئات المشاريع الإنشائية
الكبيرة التي تنفذ في أوقات متزامنة - وعلى رأسها شبكة النقل العام وعدد كبير من الجسور وحفريات تمديد أنابيب المياه والصرف الصحي...إلخ. لقد سبقت الكتابة عن مشكلة الحواجز الخرسانية التي ضيقت كثيراً من شوارع الرياض ولم توفر الأحياء السكنية (مقال كيف نتجاوز عناء الشوارع المنخنقة - الجزيرة في 28-12-1435هـ). لكن جزئية من هذه المشكلة تستحق مزيداً من التنويه أو التنبيه. وأعني بها ما يمكن أن يسبّبه حلّ مشكلة مرورية من خطر الوقوع في مشكلة أكبر. وقد يرجع ذلك إلى عدم ملاءمة الموقع أو خلوّه من احتياطات تقلل من خطورته، أو من ضعف تقيّد السائقين بأصول السلامة المرورية. والجهة المختصة التي تواجه هذا التحدي تختار المكان والوضعية اللذين تراهما مناسبين من ناحية عملية أو تقنية. لكن المستفيد النهائي - سائق السيارة أو الماشي - يلاحظ خطورته فيما بعد عند الاستخدام. والواجب على السائرين وفق التنظيمات المرورية الموضوعة أن يساندوا جهاز المرور بالإبلاغ عما يلاحظونه - وأظن كثيرون يفعلون ذلك. والأمر يشبه استخدام الأدوية. فالطبيب يصف الدواء المناسب لعلاج مرض معيّن، ولكن بعض مرضاه قد يلحظون أعراضاً جانبية (كالحساسية مثلاً) فيبلغون طبيبهم الذي يسارع بتعديل الدواء - وهذا عين الصواب، وبعضهم أيضاً قد لا يتقيّد بتعليمات الوصفة.. لذلك أود أن أضرب أمثلة توضح ما أعنيه من وجود تنظيمات مرورية قد يسبّب بعضها ما كان المراد تجنّبه كالزحام الشديد والحوادث.
المثال الأول:- في طريق التخصصي بين تقاطعه مع طريق الملك عبدالله وطريق العروبة أقيمت أقواس دوران في اتجاهين، وتقع بين مستشفى الحبيب يميناً وجامع الأميرة لطيفة بنت سلطان بن عبد العزيز يساراً، أي أن الازدحام هنا مضاعف في كل الاتجاهين، وبصرف النظر عن جدوى أو ضرورة الدوران فإني - حقيقة - لا أجد أشد حاجة إلى إعادة النظر في الاختيار من هذا الموقع.
المثال الثاني:-على طريق الأمير تركي الأول شمال تقاطعه مع طريق الملك عبدالله وعلى بعد سبعمائة مترمنه أقيمت أقواس دوران في اتجاهين، وفى مواجهته من جهة الشرق فتحة عريضة يلتقي فيها شارعان جانبيان يخرج منها بعض السائقين قاطعين الطريق بالعرض إلى موقع الدوران بسرعة لكي يسبقوا السيارات المسرعة القادمة يساراً من التقاطع، لأنهم لا يريدون الانتظار حتى ينقطع سيل السيارات، ويجازفون - كما حصل بالفعل حسب رواية بعض الشهود - بخطر الصدام مع سيارة قادمة أو بأحد الحواجز الخرسانية. هل من حل أو حلول آمنة لعقدة هذا الموقع ؟ هل تنفع حلول مثل:
أ- تغيير مكان الأقواس إلى الأمام أو الخلف
ب- وضع كاميرات تصور السائقين المتهورين القادمين من الشوارع الجانبية أو الرئيسية
ج- توضع لوحات تحذير، كما توضع صفوف من عيون القطط أو (أسنان مشط) قبل الأقواس تكفي لتهدئة السرعة وتنبيه السائق.
د- من الضروري تطبيق حلول مماثلة - إن كانت مجدية في رأي المختصين - على كل الدورانات المشابهة في الشوارع الرئيسية، لغرض التقليل من المخاطر المحتملة وزيادة الأمان المروري.
في كل تلك النماذج وأمثالها لا يصح رمي المسؤولية بأكملها على عاتق المرور وحده، وإغفال مسؤولية قائدي المركبات وأهمية وعيهم بمتطلبات السلامة المرورية، وضرورة مواصلة الجهد في توعية الجمهور بذلك؛ على أنه لا ينبغي أن يتّكل جهاز المرور على وعي الجمهور فقط، لأن الوعي لا يستيقظ عند بعض منهم من غير ضبط ورقابة وتوجيه، يكون مبنيّاً على التنبؤ برد فعل الجمهور على تحويلات معينة. وعلى سبيل المثال فإن سائق السيارة السائر على طريق رئيسي عندما يرى أمامه صفّاً متراصّاً من السيارات متوقفاً قبالة ممرّ أو مدخل ضيق ينعطف بسرعة إلى أقرب شارع جانبي في الحي ليصل بنفس السرعة إلى الطريق الآخر الذي يقصده، غير مبالٍ بالمارّة أو السيارات الأخرى. ربما ينفع في هذه الحالة وضع مطبات صناعية في الشوارع الجانبية المتوقع المرور بها. وعموماً فإن انتهاك حرمة الأحياء السكنية وإزعاج سكانها باستخدام شوارعها (الضيقة غالباً) في كلا الاتجاهين ملاذاً للهروب من ازدحام أو عوائق الطرق الرئيسية أصبح ظاهرة مؤسفة ومشكلة تبحث عن حلّ. من الجدير بالذكر كذلك أنه لا ينبغي التهوين من مشكلات بعض التحويلات والحواجز المقامة على الشوارع داخل المدن بكونها مؤقتة وتنتهي بنهاية المشروع أو المشاريع القائمة، فالمؤقت الذي يستمر شهوراً وربما سنوات حكمه حكم الدائم، لأن الخطر أيضاً دائم الوقوف بالمرصاد.