د. عبد الله المعيلي
يتسم الأمير سعود الفيصل بشخصية جمعت بين الحكمة والحنكة والقول السديد الشامل المانع، فضلا عما يتمتع به من سمات فطرية امتزجت فيها المهابة واحترام الآخر وتقديره، وعطفا على هذا وذاك يمتلك مخزونا ثريا من المهارات والمعارف في العلاقات الدولية والتعامل مها، تشكلت عبر تاريخه الطويل بصفته وزيرا للخارجية.
الصدق سمة أخلاقية جلى، بل هي من المقومات الرئيسة للشخصية، وسمي أبو بكر رضي الله عنه بالصديق لما تواتر عنه من صدق القول ظاهراً وباطناً، والصدق سمة تكسب الشخص الاحترام والتقدير والثقة، ثم إن الصادق لا يتعب في البحث عن مسوغات لقوله، لأن المتلقي سيجد أن ما قيل مطابق للواقع.
منتهى الصدق والوضوح والعدالة في حديث الأمير سعود مع عدد من الكتاب والصحفيين حيث قال: (لا توجد مشكلة بين المملكة والإخوان المسلمين، إلا مع من يطلقون على أنفسهم أن في رقبتهم بيعة للمرشد)، وأردف قائلا: (نحن نتعامل بصدق مع أعدائنا مثل ما نحن صادقون مع أصدقائنا، يجب أن نكون صادقين مع العدو والصديق).
مقولة : تتسم بالثقة، ووضوح الرؤية، والعدالة والاحترام، وهذه من سمات الذين يعتمدون على الحقائق في مقولاتهم، الذين يثقون بأنفسهم، وسلامة توجهاتهم.
تاريخيا الكل يعرف أن المملكة العربية السعودية كانت الظلال الوارف، والحاضن المخلص والداعم الصادق، لجماعة الإخوان المسلمين عندما تصادمت الجماعة مع المد القومي العربي في منتصف القرن الماضي، لكن فئة من زعامات الجماعة نكصت على عقبيها، ونكثت تعهداتها، وأعلنت عن مواقف وتصريحات خلال حرب الخليج وما تلاها من أحداث، كشفت عما تبطنه هذه الجماعة من نوايا نفعية ضيقة، وتوجهات ماليخولية لإحياء ما يسمونه الخلافة الإسلامية، فأساءت هذه المواقف والتصريحات للجماعة، مما ولد لدى الآخرين هواجس وخشية من إثارة الدهماء والمنفعلين ودفعهم إلى زعزعة الأمن الاجتماعي، ونشر الفوضى وتغذية الاضطرابات، وما حصل فيما سمي بالربيع العربي عنا ببعيد، وهو خير شاهد على ما يتطلعون إليه من شهوة القفز إلى سدة الحكم الذي غاب عن بصائرهم متطلباته وضروراته المتمثلة في القوة الداعمة والإعلام المساند، والتأييد والقبول داخليا وخارجيا.
ومع هذا وذاك فإنه يعد من نافلة القول: التنويه إلى أن جماعة الإخوان جماعة سنية، لا يخفى أهمية التعامل معها بل ضرورته، وأن القواسم المشتركة بين الجماعة وإخوانهم السنة ممن ينتسب إلى تنظيمات وعناوين أخرى، تشكل المساحة الأكبر مما يختلف عليه معها، أما المختلف عليه معها فيجب أن تعلم أنه لن يسمح به، أو يسمع له، أو يعطى فرصة للنشر والانتشار نظرا لما يحتويه من خطل ومخاطر على الأمن والسلم الاجتماعي، المشتركات كفيلة بأن يمد كل يده للآخر، وفق المتفق عليه منها والمقبول، يتعاضدون ويتعاونون للتصدي لأوجه الخطر التي تعددت مصادرها شرقا وغربا.
ثم إنه مما لا يمكن تصوره وتقبله أن ينشز أحد عن إطاره المجتمعي العام الذي ينعم بخيراته وأمنه وأمانه، ويرتمي في أحضان الآخر الذي لا مستقبل له ولا كيان ولا مكان، ينشز على مظنة تحقيق أحلام يقظة جوفاء، ويهرول عبثا وراء سراب لا ينقطع، هؤلاء حتما يعانون من اضطراب في الرؤية، وخطل في التفكير، وإلا كيف الجمع بين العيش في وطن يعتمد في كل شؤون حياته على هدي كتاب الله وسنة رسوله، آمن مطمئن، وارف الخير والخيرات، بينما الولاء إلى كيان هلامي لا وجود له إلا في عقول من سيطرت عليهم أحلام اليقظة، وهيمنت على بصائرهم وأبصارهم هلاوس بصرية أعمت البصيرة عن رؤية الحق.