سمر المقرن
ما يزال مفهوم الصدقة الجارية محصورًا في رؤية بناء مسجد أو شراء برادة ماء للمسجد أو فرش مسجد، بمعنى أن هذا المفهوم مقتصرًا على المساجد فقط. مع أن الصدقة الجارية لها مجالات أوسع واحتياجات أكثر إلحاحًا، خصوصًا أن كل حي في الرياض أو في المدن الكبرى الأخرى وحتى الصغرى يوجد بها عشرات المساجد وقد لا يفرق بين مسجد وآخر سوى بضعة بيوت أو شارع صغير. في الوقت ذاته هناك مدن وقرى في مدن عربية وإسلامية لا يوجد بها مساجد، وهي الأولى بالبناء وأعظم أجرًا لدى أشخاص يتمنون أن يجدوا مسجدًا يضمهم لصلاة الجماعة، ومساجدنا على كثرتها أصبحت أماكن خالية وأكثر المساجد لا تجد فيها عدد المصلين يكملون صفًا واحدًا، ليس لقلة المصلين إنما لكثرة المساجد. فماذا لو أعادت وزارة الشؤون الاسلامية توزيع بناء المساجد داخل الأحياء، وذلك لإعادة أهداف المسجد التي قامت مع بداية الإسلام، ولم شمل الجماعة بدلاً عن فرقتها.
كنت في حديث قبل عدة أيام مع إحدى قريباتي والتي أعلم مدى حرصها على فعل الخير وخصوصًا الصدقة الجارية، فسألتها هل بنيت مسجدًا كما يفعل غيرك من الموسرين؟ قالت نعم، فعلقت على كلامها ألا ترين أن كثرة المساجد أفقدت لدينا أهدافها، فقالت: نعم. سألتها: ولماذا تفعلين مثلهم؟ قالت: قمت ببناء جامع في قرية بصعيد مصر ليس لديهم أي مسجد. أبهجتني بهذه المعلومة، فتخيلوا معي عدد الحسنات التي ستصل إلى هذه المرأة التي فكرَت جيدًا كيف تصنع لنفسها صدقة جارية. بدأ الحديث بيننا يأخذ مسارات أخرى حول الصدقة الجارية، وأبلغتني أنها قامت بشراء عمارة في الرياض خصصتها لسكن الفقراء وأن من يقوم بتشغيلها هي إحدى الجمعيات الخيرية، وأنها ساهمت ببناء وتأثيث مستشفيات في مناطق نائية بالخارج. أسعدتني قريبتي بمدى الوعي الذي تحمله، وتمنيت لو أن كل من لديه أموال ويريد أن يجعل لنفسه صدقة جارية أن يفكر بمدى الأجر الذي سيصله في حياته وبعد مماته من العمل الذي يقوم به بتفكير مرّكز عن مدى فائدة العمل.
لو أن كل شخص فكر ببناء مسجد ليكون صدقة جارية له، وبلغ لديه الوعي أن هذا المسجد لن يمنحه الصدقات التي يتمنى بلوغها، لاستبدل الفكرة بمشروع أكثر إدرارًا للصدقات، فكم لدينا من نساء أرامل ومطلقات وأيتام ولديهم أطفال وكبار مرضى أو معاقين هم في حاجة إلى سكن يضمهم، مثل هذا المشروع أتصور أنه يدر كثيرًا من الصدقات، بل أكثر من مسجد لا يُكمل مصلوه صفًا واحدًا، ويوجد غيره عشرات في نفس الشارع!
إن تعدد مصارف الصدقة الجارية بات ضرورة ملحة، وهذا لن يحدث دون وعي في ظل محدودية النظرة من زاوية واحدة، هناك أفكار كثيرة تحتاج إلى تكاتف الجهات الحكومية والخاصة وكذلك الجمعيات الخيرية ليفهم -بعض- الناس أن الصدقة الجارية ليست بالضرورة أن تكون بناء مسجد وسط زحام المساجد، وإن كان بناء المساجد لها من الأهمية والأولوية ما لغيرها، إذا ما تم البناء في المكان المناسب!