د. محمد عبدالله العوين
اخترع العالم الكيمائي السويدي الكبير «ألفرد نوبل» الديناميت عام 1867م؛ وإحساساً منه بمدى فداحة ما توصل إليه من اكتشاف تدميري مبكر سيبيد البشر وسيقضي على الحياة إن استخدمه الطغاة أوصى بمعظم ثروته التي جناها من هذا الاختراع القاتل لتأسيس جائزة باسمه تعزز السلام في العالم وتحفز على الإبداع وتمكن من قيم احترام حقوق الإنسان!
رائع أن تملك الشعور بالذنب ذلك العالم السويدي النبيل، والأكثر روعة وجمالاً أن تتسامى الأفكار والتطلعات عند الأجيال الجديدة من السويديين لتعزيز تلك المفهومات الجليلة العظيمة التي أسس لها «نوبل»، إلا أن ثمة من يستغل الدعوة إلى الحقوق والعدالة والإبداع التي انتهى إليها المجتمع السويدي عبر العقود المتتالية الطويلة لعصر نوبل؛ ليسخرها وفق رؤاه الذاتية المحدودة لمفهوم الحرية؛ سواء كان ذلك في المعتقدات أو في التعبير عن الرأي، أو أن بعضهم لم يستطع التخلص من أصوله العرقية أو الدينية أو العنصرية، أو أن بعضهم يتكسب من الادعاء بتعزيز الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان إلى مكتسبات سياسية، أو أن بعضهم لا يملك القدر الكافي من المعلومات عن ديانات وثقافات وتاريخ الشعوب الأخرى؛ فلا ينطلق إلا من ثقافته البيئية المحدودة لمجتمعه وبما يطرحه مثقفو بلاده ويثيرونه من رؤى وحوارات وخصومات بين التيارات السياسية والفكرية عبر وسائل الإعلام المختلفة في السويد؛ وتلك الاحتمالات المتعددة أو بعضها لم تنج من واحدة منها أو أكثر وزيرة الخارجية السويدية السيدة «مارغو والستروم»!
لقد ارتكبت الجناية الأولى التي ارتكبها من قبلها جدها البعيد «نوبل» ولكن بأسلوب مقلوب؛ فهو قد اخترع أداة رهيبة للموت، ولكنه كفر عن نفسه بعد أن أحس بالذنب بالجائزة؛ وهي الآن تمارس باسم نوبل حمامة السلام وداعي الحرية والتعايش والإبداع ما يشبه فعل الموت بوأد حريات الشعوب في الاعتزاز بثقافاتها والانتماء إليها والانطلاق منها في التشريعات والممارسات والأحكام والقوانين والنظم؛ تمارس وأد حرية الانتماء إلى الدين والمعتقد والثقافة والتاريخ الحضاري للإسلام - كما صرحت بموقفها من القضاء في المملكة - باسم الحرية!
السويد البلد الذي ينافس العالم بأكثر من خمسين ألف براءة اختراع، وبأكبر الشركات المتفوقة في صناعة الاتصالات كأريكسون إلى السيارات فولفو إلى الطب بأشهر علاج لقرحة المعدة في مرحلة معينة «لوسك» إلى الأثاث وأدوات المنزل والمكتب كآيكيا، إلى سبعة أدباء حاصلين على نوبل، إلى أشهر ممثلات السينما كأنغريد برغمان وجريتا جاربو، وبأشهر بلدان العالم في الرعاية الصحية ومجانية ودعم التعليم، والبلد رقم 1 في الديموقراطية والشفافية؛ تعجز السويد مع كل هذا الإنجاز العظيم أن تتفهم وزير خارجيتها السيدة مارغو طبيعة الاختلاف بين الثقافات والشعوب!
السويد التي تريد وزيرة خارجيتها أن تكرهنا إكراهاً على أن نحذو حذو بلادها في الشفافية وحرية التعبير عن الرأي لا يؤمن أكثر من 85% من شعبها بالله، والبقية إما مشككون أو ينتمون إلى المسيحية اللوثرية، وعلى هذا النحو السويد أعلى بلدان العالم نسبة في الإلحاد، وهي أيضاً منحت الشاذين جنسياً أو من يعرفون بالمثليين كافة الحقوق 2009م وألغت قوانين «الشراكة المسجلة» واستبدلتها بقوانين «الزواج محايد الجنس» وهي الأكبر نسبة في أعداد غير المتزوجين في العالم، وهي زعيمة «الثورة الجنسية» التي اكتسحت العالم في الستينيات والسبعينيات، وهي منتجة فيلم «أنا فضولية» وفيلم «أرني الحب» وكلاهما يطبعان المثلية ويؤسسان لما عرف لاحقاً بمفهوم «الخطيئة السويدية»!
السويد التي لا ترى في الخيانة الزوجية حرجاً إذا تمت بالتراضي، ولا تعاقب على العلاقات أياً كانت؛ إلا ما كان منها بمقابل مادي، وهو البغاء الذي سيقل وتتضاءل نسبته ما دام أن طرق الجنس كافة متاحة لكل راغب بأية صورة كانت!
يتبع