شريفة يوسف
أنسج من الأفكار حلماً أبنيه طول الليل، الظلام لايفزعني فآوي إلى الفراش، بل يدفعني لإنارة المكان، أحياناً أكون شاعرية فأكتفي بوميض خافت، وأحياناً صاخبة أفتح المصابيح، وأمشي في ممرات البيت كأني أقيم كرنفالاً، أمي لو كانت تحيا لقالت: (أنا قلت ما فيك عقل)!
حاولت ذات ليلة أن أنام، تقلبت طويلاً على الوسادة، قرأت كتابا، تظاهرت بالتثاؤب مجبرة كي أوهم جسدي على التعب والنوم فيشرع فيه، لكن لم أنم، هل من لديهم حلم لاحاجة لهم للنوم والوقوف طابورا لقنص حلم؟ وإن كانت الأحلام التي تزورنا حصاد عقولنا الباطنية بقايا اليوم، رواسب التفكير، شحنات تجمعت في أقطاب عقولنا؟ هل الليل يسمن فينا عقولنا ويسد شراهة التفكير؟
حتى إذا ماطلع الصباح أتفرّج على الكادحين، فإن سألوني: أين حلمك؟
جبت: أعددته مسبقاً، ذات ليلة..
أحتاج من يسالني متى تغفو؟
حتى يحرس بنات أفكاري، فلا تذهب حين نومي للتسوق، فتفتنها عصرية الموضة وتتأنق زيادة عن اللازم، ثم أخسر مصداقيتها، جمالها. دعها في خدرها تعتني بظفائرها، حتى أحقق مالدي من مزاعم وأطلقها للحياة وقتها لتبتاع الدنيا ومن عليها ولتملك دار أزياء وموضة لايعنيني بنات أفكاري اليوم ملكات ماعادت تحت السن القانوني الذي أخشى عليها نزول الشارع فتسرق أو تخطف ويطالبون بدية لكي تعود لي.
حتى كوب القهوة ليلاً له طعم مختلف يغدو حلواً بلا سكر، ذو رغوة بلا إضافة، تتعرف على نفسك تكتشف ماهية التحاور معك، ذات ليلة اكتشفت أني عصبية لا اطاق، لا أقبل النقاش أو تغيير رأيي، قلت في نفسي كان الله في عون صديقاتي وكان الله معي حين أهداني ألسنة تطالني وتخرسني حين الخطأ أو التمادي، بعض طول اللسان مرغوب.
أنا صديقة الليل، أكتب هذا المقال والساعة الآن الخامسة فجراً و لدي هذا الصباح لقاء مدته أربع ساعات، وعلي التركيز فيما أقوله، أو أتحادث فيه ومن معه، ربما أحفظ الملامح و الأسماء، فإن جاء الليل وزعتها كضحايا النهار وجمعتها، وربطت بينها، قد لا أميز أنك ذو صوت حسن إلا في الليل،.
لايعني أني طول النهار اجلس على كرسي هزاز واتكئ خدي، بل العمل الدؤوب يفقدني القدرة على تذوقه وإن انغمست به، أركض نحو العمل كأن الشمس توبخنا كأم بأنه لو انقضى النهار وماأنهيتم فروضكم المدرسية لأطبق بطاطا مقلية مع العشاء بل وتستبدله بصحن الجرجير أو الجزر.
ربما في الليل ترتخي العضلات وتأخذ الصدور نفسها العميق وتتدثر لحاف الراحة أنا أتمدد وأغمض عيني، ثم أعيد محدثات النهار بالحركة البطيئة ‹ وأقوم بدور المخرج الذي فشل أن ينجح المشهد منذ المرة الأولى لحدوثه، أستلذ التفاصيل، أستعيد الأسماء ملامح الأشخاص أصحاب الابتسامة اللطيفة والسلام الدفيء، الوجوه المكفهرة صباحاً تنظرنا كأننا الجحيم الذي أعد لها، الموقف العالق بي، وإن كان لايعنيني لكن صادفته في مشواري، الكحل الذي رسمته بعناية لكني فركت عيني حتى أقضي عليه، نظارتي التي لا أدري متى أستبدل عدساتها، دفتر مواعيدي، وتذكيري، لماذا لا أغير القلم المرفق معه، مالون القميص الذي سأرتديه في اللقاء القادم، أين وصلت بحلمي، وأمسك بطوبة من جدار الحلم وأضعها تحت الوسادة في محاولة للنوم، لا تتعجب رأسي اليابس، كم طوب حلم نمت فوقه.