عروبه المنيف
يتوارد إلى ذهني دائماً حجم المسؤوليات الجسام الملقاة على كاهل وزير تعليمنا الجديد وذلك بعد عملية دمج الوزارتين، ولطالما دعوت له بالتوفيق من منطلق حرصي على وطني وعلى الرفع من شأنه ورقيه ورفاهيته، ولا يخفى على الجميع دور التعليم الواعي المتحضر المنفتح على الآخر في تقدم ورقي الشعوب.
من المسؤوليات الجسام في وزارة التعليم ملف الابتعاث، الذي أولاه المغفور له الملك عبد الله - طيَّب الله ثراه - أهميه خاصة فازداد عدد المبتعثين والمبتعثات في مختلف التخصصات، نتيجة حرص الدولة بالانفتاح على الثقافات الأخرى والنهل من معارفها وعلومها.
من القرارات التي يشملها ملف الابتعاث التي طالما أعتبرتها من أحد أهم العوائق المكبلة للمرأة والمسببة لإهدار المال العام، قرار «شرط المحرم للمبتعثات». لقد استغل هذا الشرط أيما استغلال، وأثبتت الإحصائيات أن 90 في المئة من المحارم غير الأزواج مسجلون على الورق الرسمي فقط وغير متواجدين على أرض الواقع، ويستفيدون من مزايا المحرم المالية والطبية والعلاجية بدون وجود أي مبرر جوهري لذلك.
لقد شكّل هذا الشرط عائقاً كبيراً بالنسبة للكثير من الفتيات الراغبات في الابتعاث، حيث لا تستطيع العديد من الأسر ممثله بالأب أو الأخ أو الجد وغيرهم.. ترك أعمالهم ومصالحهم ومرافقة ابنتهم في رحلتها التعليمية وما ينجم عن ذلك من إلغاء فكرة الابتعاث من الأساس، فالابتعاث ليس بيدها بل بيد من سيقبل أن يذهب معها من الذكور في العائلة، ولكل شرط وقانون متاهات ومخارج.
لقد نشطت تلك المتاهات والمخارج والسراديب وبدأ التحايل والخروج بحلول أخرى «كزواج المبتعثات» أو «تأجير المحارم» الذي ينقضي بانقضاء مده الابتعاث، وتنشط الخاطبات في البحث عن زوج المبتعثات ويضطر الأهل إلى الموافقة، حيث إذا تيسر للزوجين واستمر الزواج والاتفاق كان بها، أو يتم الانفصال قبل أو بعد انتهاء (فترة البعثة)، ونساهم بذلك بدون وعي منا في تفاقم قضية الطلاق ولا سيما أننا نتصدر دول العالم في ارتفاع نسب الطلاق، بسبب هذا الشرط وما ينتج عنه من مشاكل اجتماعية خطيرة.
التساؤل هنا: هل الفتيات في دول العالم أجمع يستطعن تدبير أنفسهن وإدارة أمورهن في الخارج إلا بناتنا لا يستطعن؟ مع العلم أن الطالبات السعوديات تفوقن على الطلبة وعدن إلى بلادهن مرفوعات الرأس متسلحات بشهاداتهن، على الرغم من المنغصات التي يتحملونها من قبل المحرم، حيث التهديد في أي لحظة بالحرمان من إكمال دراستهن والقصص كثيرة التي تثبت حدوث ذلك، بينما المحرم يسرح ويمرح ويرجع دون أن يستفيد دراسيا من هذه الفرصة.
نتمنى من الوزير الجديد المتنور عدم إغفال هذه الإشكالية ووضعها من أوائل اهتماماًته وإلغاء هذا الشرط الذي يشكل عبئاً على ميزانية الدولة بدون أي مبرر، فالدولة أحوج إلى هذه الأموال حيث نستطيع استخدامها في مضاعفة أعداد المبتعثات والمبتعثين. ولا يجب أيضاً إغفال العامل النفسي للفتاة وأهميته في دعمها وإعطائها الثقة بقدرتها على إدارة وحماية نفسها بدون الوصاية والسلطة المستمرة عليها، وستثبت الفتاة السعودية كما هي دائماً جدارتها بهذه الثقة بدون أدنى شك.