عبدالحفيظ الشمري
من يتأمل واقع الدراسات الميدانية، والمسوحات البحثية حول مسائل تنمية مشاريع البنية التحتية في المدن يُدرك أنها من أهم الخطوات التنظيمية، والخطط الضرورية لبناء رؤية فنية وإدارية متكاملة، تستطيع أن تنطلق منها كل الجهود لرسم معالم ومقومات النهضة الحضارية للمدن التي باتت تستقطب الناس بشكل لافت.
فإن لم يكن مع هذه الدراسات والبحوث والاستطلاعات عمل جاد، وعقول مستنيرة، ودعم مادي متوازن، وأيادٍ نظيفة، فإن الجهود ستظل مجرد محاولات قد تنجح أو تفشل، أو ربما تكون محدودة الأثر، فلا يستفيد منها سوى قلة ممن هم حولها، أما باقي المجتمع فإنهم قد ينتظرون طويلاً مثل هذه الحلول للتنمية في مجال إنشاء المشاريع، والتطوير في البناء، وإقامة المرافق التي تحتاجها مدنهم.
إلا أن للدراسات - على وجه التحديد - دوراً استطلاعياً مهماً، يرصد مواطن الضعف والقوة في أي مشروع، ومن ثم يمكن البناء على ما تقدمه هذه الطروحات، وما يلفت الانتباه أنه ورغم هذه الدراسات حول المشاريع التنموية يظل المعوِّق الأبرز هو تعثُّر البعض منها، ومن ثم إخضاعها من جديد للتقييم والدراسات الفنية، ليبقى السؤال قائماً عن مصير ما سبق من دراسات قبلها، مهدت لقيام هذه المشاريع؟.. وهل الخطأ يكمن في الدراسات وقيم الجدوى في مثل هذه الأعمال؟ أم أن هناك معوقات أخرى؟
وغالباً ما يرتبط فشل وتعثُّر بعض هذه المشاريع بحجم ما يُقدم من دراسات حولها، وتقييم الجدوى منها، مما يؤكد أن الخلل قد يكمن في نوعية هذه الدراسات والخطط، فإن لم تكن ناجحة أو بحجم التطلعات لها ستكون سبباً من أسباب إخفاق مثل هذه المشاريع وأصحابها والقائمين على شأنها.
ولنأخذ مثالاً تنموياً إشكالياً في العاصمة الرياض، فخطة أمانة العاصمة حينما سعت إلى خفض منسوب المياه الجوفية والسطحية والمجاري في الأحياء الشمالية منها، وما يقع تحديداً شمال الطريق الدائري الشمالي بين مخرجي 2و8 حيث أظهرت الدراسات المسحية والفنية أن المياه تطفح بشكل كثيف، مع صعوبة تصريفها وخفضها، مما يعيق العمل في مشاريع إنشاء قنوات الصرف، وخفض منسوب المياه.
وبما أنهم - فنيون وعاملون - معتمدون بذلك على رؤى ودراسات سابقة، إلا أن المفاجأة التي لم يتوقعها هؤلاء أن الطريق الدائري الشمالي ومنذ إنشائه محاط بسد تحت مستوى الأرض من شماله، يمنع تسرُّب المياه إلى الأحياء التي تقع على ضفته الجنوبية، مما يعيق تسرُّب المياه بشكل طبيعي، ليتسبب حجبها عادة في تكاثر المياه وطفحها في الكثير من الأماكن والأحياء المنخفضة كحيي النفل والوادي الذي استفحل أمر التسرُّب بهما والطفح إلى درجة غير مقبولة هذه الأيام.
من هنا ندرك أن الدراسات والبحوث والمسوحات الميدانية ضرورية وفاعلة لتتبع مسيرة الإنشاءات في هذه المواقع ضرورية، ومعرفة الأسباب، وكيفية حلولها بما يحقق إنجاز المشاريع بطريقة جيدة، فالدراسة حول هذه المواقع هنا والتي سعت إلى تغليب أمر حجب المياه لا بد أن تنقضها دراسة أشمل وأعمق، لحسم هذه الإشكالية الفنية، وتحويل المياه وصرفها إلى جهات أخرى، لكي يتم إنجاز أعمال الصرف الصحي، وخفض منسوب المياه بشكل مفيد.