عبدالحفيظ الشمري
كيف يتسنى لنا متابعة تطور المدن وتنميتها في ظل الحياة المعاصرة؟ وكيف يمكن تذليل الصعاب وكشف المعوقات التي قد تحول دون تطورها وازدهارها؟ والسعي إلى تقديم الحلول التي يمكن أن نتفاعل معها في مجال تنمية هذه المدن التي نعيش فيها، وننتظر أن يكون مستقبلها أكثر إشراقاً وازدهاراً، وتطوراً، خدمة للإنسان في كل عصر.
ولا يمكن أن نوقف أمر التطوير وآليات التنمية عند حدود المدن فحسب، إنما يتطلب الأمر أن يمتد إلى تنمية القرى والهجر التي تتواجد فيها الكثير من المراكز والتجمعات السكانية، مع ضرورة أن يكون الريف ملائماً لحياة أهله، وخدمته في حدود معينة، تُسَهِّلُ على من يعيش فيه الحياة، فمن المفيد ألا تتغير هويته، ليبقى بيئة حاضنة لأهله، ومسهمة في بقائه ونقائه لكي لا يكون بيئة طاردة.
إلا أننا يجب أن نقف عند تجربة حياة المدن باعتبارها هاجساً حضارياً مؤثراً، وبما أن لكل مدينة من المدن هويتها أو بيئتها سواء كانت هذه المدينة قديمة تغوص في أعماق التاريخ، أو حديثة تتلمس طريقها نحو التنمية والعمران، بمعنى أنه لا بد من إيجاد تنوع واختلاف يكون مصدر ثراء في تكوين مثل هذه البيئات التي تنهض عليها هذه المدن.
مشهد طريف مليء بالمعاني، يتمثل في أن هناك من يجفل من العيش في المدن مدة طويلة، ليصفها دائماً وبلا مواربة بأنها مدن بلا جذور؟!.. أما عن أسباب وصفه لها بهذا الشكل فهو يعني أنها تفتقد حواضن البيئة المادية من منابع الماء والغذاء الذي يستخدم في هذه المدن، أما الحاضن المعنوي فيها فإنه يتسم بجفاف العلاقة الودية، فلا يجد بدا -بعد هذا التصور- إلا أن يهرب كلما تقدم به العمر إلى القرى والأرياف، حيث يستشعر الأمان، لذلك يقع على عاتق منظمي بيئة وهياكل هذا المدن والمخططين لنهضتها وازدهارها أن يسعوا إلى إيجاد بيئة حياتية عميقة لها، لتتفاعل معها الأجيال في الحاضر والمستقبل.
وهناك أمر آخر قد تطالعه في هذه المدن العصرية أنها مجرد بناء لامع، وأرصفة وشوارع إلا أنه يجدر بها أن تكون صديقة للبيئة، ومحافظة على الهوية، وذلك من خلال تنسيق بيئتها، لتكون مهيئة لحياة أطول، لذلك يتطلب من هذه المدن المحافظة على هويتها، وأن يكون هناك توازنا ما في بناء منظومة المدن العربية على وجه التحديد، على غرار ما تفعله المدن الغربية التي لا يزال أكثرها محافظة على هويتها وطابعها البيئي منذ مئات السنين.
كما أن الأمر يتعلق بأسئلة لا تزال تطرح على مهندسي وخبراء تطوير المدن وإنشائها يتمثل في التالي: هل يمكن أن يكون التخطيط حالماً أو متخيلاً أم تراه واقعياً ومباشراً؟ وما نتائج هذه الأعمال المتخيلة لهوية المدن مستقبلاً؟ وكيف نحافظ عليها من التحول والتبدل وتغيرات البيئة والمناخ؟.. فالإجابة عن هذه الأسئلة تكمن في قدرة كل مدينة على سعيها للمحافظة على هويتها وبيئتها الأصلية على نحو أنماط البناء في المناطق البحرية أو الصحراوية أو المحاذية للريف، والأمثلة هنا كثيرة في بلادنا كأنماط البناء والإنشاءات في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والعاصمة الرياض، ومحافظة جدة، وحائل وجازان والأحساء ومدن أخرى لها عمق في التاريخ، وهوية معمارية مميزة، يمكن أن تكون حضارة ممتدة في الحاضر والمستقبل.