محمد المنيف
منذ أن تلقى (محدثكم) وبقية الفنانين الذين شاركوه الدراسة المتخصصة في (التربية الفنية)، وأمثالهم من الأجيال الجديدة الذين اكتسبوا الخبرات في الفنون التشكيلية وتاريخها وأسس بناء العمل والنقد، دراسة أكاديمية على أيدي فنانين عرب ما زالوا أعلاماً في هذا المجال، ومع ما تبع ذلك من ممارسة وبحث وتجريب وتواصل مع هذا الفن والجديد فيه، كان الجميع - وما زالوا - يرونه رسالة عظيمة، تنبع من الإنسان؛ لتصل إلى الإنسان، من فنان يتعامل مع مفردات لا تختلف عن مفردات الكاتب أو الشاعر، وقد تكون الأسهل في الاستيعاب الأكثر وصولاً إلى وجدان المتلقي للوحة أو قطعة النحت؛ كونها لغة عالمية؛ لا تحتاج لمترجم ليتعامل معها الإنسان في مرحلة التكوين الأولى مع الحياة والبيئة، واعتبر فن الرسم جزءاً من حياته، كما نراه في رسوم الكهوف (نيانتر دال).
هذه الرسالة أو هذا الفن - للأسف الشديد - يواجه اليوم تغيراً وتبدلاً في بعض أجياله الجديدة، وأصبح وسيلة لتحقيق غايات شخصية أبعد ما تكون عن حقيقته وتاريخه، يرى فيها (فئة) ممن ينتسب لهذا الفن فرصة لتحقيق أهداف يمكن وصفها (بالدنيئة أخلاقياً)، من خلال بناء جسور ومسالك لا تمت إلى ما عُرف عن هذا الفن من رقي وسمو وقيمة.
أمثال هؤلاء ليسوا الوحيدين أو الشاذين عن القاعدة؛ ففي تاريخ هذا الفن لا يجدون مكاناً أو فرصة بين أصحاب الفن الراقي والحامل لتلك الرسالة الإنسانية بكل تفاصيلها؛ ويبقون كالنباتات المتسلقة والمؤذية.
هؤلاء لا يحملون أي قدرات إلا ما تلقوه عبر اليوتيوب من ممارسات عديدة، أغلبها غث، ووجد من يقوم بها في التقنيات الحديثة سبيلاً للوصول إلى المتلقي لنشر خزعبلاتهم الموصوفة بالفن الحديث، سواء كان مفاهيمياً يعتمد على الوسائط ويحقق الفكرة الوقتية غير المتحفية أو الأعمال المتحفية (التي يمكن الاحتفاظ بها في متاحف)، لكنها لا تحمل أياً من القيم الفنية أو الفكرية، أو حتى الأخلاقية.
هذا المد من التسلق والولوج إلى هذا الفن أصبح كالبثور والعيوب في وجه الفن، يصعب علاجه نتيجة الكم الكبير من هذه الفئة التي تتعامل مع الظاهر في الفن بأدنى مستوى من القدرات، ويوجَدون في المعارض، يضايقون الحضور بما ينشرون من دعوات لإقامة دورات في الرسم والتلوين، مع عدم وصولهم إلى ألف باء التعامل مع اللوحة، سواء بالاعتماد على المصادفة أو الأداء التلقائي، ويفرضون أنفسهم على أنهم فنانون لمجرد أن عرضت لهم صالة غير متخصصة لوحة هنا أو هناك، أو اقتُني لهم عمل من باب الدعم بعد إلحاح منهم، وبأقل الأسعار، أو أُجري معهم لقاء في برنامج لملء الفراغ.
ما يقوم به هؤلاء من أكاذيب باسم الدورات بانت مخرجاتها الرديئة، وانتشرت بشكل كبير، وأساءت أكثر مما أضافت جديداً جيداً لهذا الفن وفنانيه، في وقت يسعى فيه المنتسبون لهذا الفن المتمكنون فيه إلى الأخذ به نحو مراحل تتجاوز المحلية بتجاربهم وخبراتهم ومواهبهم، بتطوير أدواتهم، إلا أنه لم يعد لهم حضور في هذا الجو غير الصحي.