جاسر عبد العزيز الجاسر
الانفراج في العلاقات الأمريكية مع طهران ومحاولات التقرب الأمريكي من نظام ملالي طهران التي بدأت منذ أكثر من عقد من الزمن تمثلت في التفاهم العسكري الذي أتاح لواشنطن وطهران معاً إسقاط نظامي صدام حسين في العراق وطالبان في أفغانستان، ولهذا فإن التقارب بل وحتى التنسيق بين إدارة أوباما ونظام مرشد الثورة الإيرانية ليس بالجديد، وما الرسالة الأخيرة لخامئني إلا واحدة في سلسلة الخطوات التي تعزز الآفاق الحقيقية للعلاقات، ولتسوية كل ذلك وهي من الأغراض الأولوية للرئيس أوباما الذي لم يخضها والذي تحدث عنها في أكثر من لقاء تلفزيوني والذي يعتبره تقدماً تاريخياً سيؤدي إلى التغيير الذي سعى إليه لنهج الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بزعم تعزيز المواقف الجيوستراتيجية لواشنطن في المنطقة.
والمتابع لإدارة أوباما منذ وصوله إلى البيت الأبيض توجهه إلى التقارب مع نظام ملالي طهران والسماح بتوسع نفوذ هذا النظام في المنطقة العربية على حساب مصالح دول عربية حليفة لأمريكا، وهكذا غضت واشنطن النظر وتجاهلت المواقف السلبية والتدخلات الإيرانية في سوريا، بل يلاحظ أن واشنطن أصبحت أقل رفضاً لنظام بشار الأسد وأنها لا تمانع من الوصول إلى حل وسط مع الإيرانيين في ترتيب العملية السياسية في سوريا لطهران دور رئيس فيها مشابهة لما هو حاصل في العراق، وهدف واشنطن من تعزيز دور الإيرانيين في سوريا والعراق هو محاصرة الأصولية السنية حسب فهم أمريكا ومواجهتها بأصولية شيعية، وبرأي إدارة أوباما فإن أمريكا بحاجة إلى مساعدة نظام ملالي طهران أكثر فأكثر في أفغانستان عندما تنقل المسؤولية إلى الأفغانيين وجيرانهم وخلق توازن جيوسياسي بين باكستان من جهة وإيران والهند من جهة أخرى.
وفي التخطيط البعيد المدى ينوي الأمريكيون التوقف عن التحالف مع الدول العربية السنية، إذ تقول نائبة مستشارة الرئيس للأمن القومي (بن رودس) (أن الاعتماد على إيران سيسمح لأمريكا عن التوقف عن التبعية من دول الخليج العربي السنية)، ويعتقد الأمريكيون أن إيران الشيعية وحلفاءها من الأحزاب المسلحة والمليشيات الإرهابية تملك الإمكانيات الحقيقية لتقديم المساعدة الحقيقية في مكافحة التطرف السني.
بتقدير الخبراء أصبحت المسائل المذكورة لجدول الأعمال في المنطقة (وليس الملف النووي) موضوعاً أساسياً للمفاوضات الجارية بين جون كيري وجواد ظريف التي تسارعت في الأيام الأخيرة، وإيران المستفيدة من هذا الوضع تحاول استثمار هذا الفهم الأمريكي الخاطئ والحصول على تنازلات أمريكية بما فيها رفع العقوبات الاقتصادية بعد تقليصها وتعزيز نفوذها في المنطقة العربية على حساب مصالح الدول العربية بما فيها حلفاء أمريكا، وهكذا سيحصل الإيرانيون على تعزيز إضافي لدورهم كمركز قوة في المنطقة بلا تنازل أو تقليص لبرنامج التسلح النووي الذي حتماً ستضيف قوة مضافة جديدة تجعل حتى الأمريكيين غير قادرين على انتزاع أية مواقف للحد من تمدد الإرهاب والتطرف الشيعي.