جاسر عبد العزيز الجاسر
وسائل الدعم والمساندة الاستخبارية لفاحش لم تقتصر على إلقاء شحنات الأسلحة من الجو وتقديم المعلومات، بل وصلت إلى حد الاستعانة بالتقنية الهوليودية، فالرسائل والفيديوهات التي يبثها تنظيم فاحش لعملياته الإجرامية، تُقدم بأسلوب سينمائي نقي الصورة عالي التقنية الإخراجية، وكأنه يُقدم حبكة سينمائية متكاملة تشمل التصوير وحتى الممثلين.
الفيلم الذي عُرض للقتلى الأقباط الـ (21)، ظهروا وهم يتقدمون إلى منطقة الذبح على ساحل البحر الأبيض المتوسط عند خليج سرت، وهم يسيرون وبجانبهم قاتليهم في خطوة واحدة، وكأنهم مقدمون على المشاركة في عرض طابور الاحتفال، وإذ اعتبرنا أن الضحايا قد خُدّروا أو أُجبروا على السير بهذا الأسلوب، فإن الجزارين والذين اختيروا من ذوي الأجسام الضخمة وزوِّدوا بسكاكين مما تستعملها القوات الخاصة والكمندوز ذات نوعية واحدة، أخفوا وجوههم ملثمين كمجرمين يُؤدون دوراً تمثيلياً أو مشهداً مسرحياً، وكل هذه الحركات تظهر بصورة واضحة وتصوير بالغ الدقة، مما يُؤكد أن وراء هذا العمل (مخرجاً) للجريمة يسعى لتحقيق أقصى درجات الإرهاب والتوحش، النهج الذي يُطبقه الفواحش لإرهاب الشعوب والمدن، وهو نفس العمل الذي شاهدناه عند حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، فعملية الحرق التي تمت داخل قفص حديدي، وأُجبر الضحية على ارتداء اللباس البرتقالي الذي أصبح (لوجو) الإعدام لدى تنظيم فاحش.. أيضاً العملية تمت بتقنية عالية من التصوير والإخراج، مما يؤكد وجود مخرج لهذا العمل الإجرامي.
كل هذه الأعمال التي نفذها تنظيم فاحش من ذبح الرهائن الغربيين، إلى ذبح الايزيديين العراقيين في محافظة نينوى والأسرى السوريين في محافظة الرقة ودير الزور، جميعها تسعى إلى نشر ثقافة التوحش وإرهاب المناطق والمدن المستهدفة، وللجماعات الإرهابية كتب ونشرات تُدرِّس مثل هذه العمليات، إلا أن تنظيم فاحش أدخل العمل السينمائي الهوليودي لتحقيق انتشار أوسع وخلق تأثير صادم أكبر، فعمليات القتل والذبح والحرق تتم وكأنها مسرحية أو تصوير مشهد سينمائي، وهو ما يتطلب وجود معدات تصوير متقدمة ذات تقنية عالية وتحت إدارة مخرج متمكن، وهو ما يتطلب إعادة التصوير وتهيئة مواقع التصوير وتجهيز آليات العمل، وكل هذا يتم ولم يستطع أحدٌ رصده وإبطاله أو على الأقل الإبلاغ عنه، رغم امتلاء سمائنا العربية بالأقمار الصناعية التي تُراقب وتصوّر كل شاردة وواردة.
هل في الأمر تواطؤ ومشاركة في تقديم أعمال فاحش ضمن مسلسل التوحش الذي يريدون إلصاقه بالمسلمين وحدهم؟.