د. خيرية السقاف
جلستُ إليكِ نوارة هذا الفجر..
أستلهم شيئا من أيامكِ..، وأياما لم أشهدها إلا في قصَّكِ الموحي،..
وعذب سردكِ الجميل..
بينما ما حولي يئن بجراحه..!!
آخر أنباء البارحة، الفضاء المصري يغلق عن العابرين جواره المجال..
والصغير السوري ينتشلونه من بين الأنقاض..،
وعشرات من الفارطين الأمس في قبضة أمن البلاد..
ومكوكية الأحداث تلف بنسيجها الشوكي جسد الأرض، وتوغر التوجسَ في صدور الخلق..
فما مصير البشر في قبضة الشر..؟!
إيه نوارة،..
هيجني إليك الحنين بينا أقام الأسئلة بين يديكِ:
هل انطوى الزمن الجميل بهدوء لحظاته..
بكوب الحليب الدافيء في مقبل الصبح..
وكوب الينسون على ضوء المصباح قبل النوم، وذلك الكتاب بين اليدين نتلو فيه نبض الشوق لقصة، ولقصيدة، ولمعرفة تاريخ، ولمخيلة كخلية النحل..؟
ولصبح فيه مع «حي على الفلاح» همة الانطلاق لحيث النهل، ولحيث الوجوه المستبشرة..؟
تلك التي إن نطقت فبما يسر، وإن أخبرت فبما يفرح..؟!
زمنك الجميل يا نوارة، وأزمان من قبلك في أنحاء الأرض..
هل انطوت مع صفحاته الراحة، والطمأنينة، والحلم يرفرف في صدور الصغار لمستقبل يخططونه مع آبائهم، وشيئا منه يخبئونه في ركن خاص داخلها، كلما فتحوها قلبوه بابتسامة وعزم..؟..
الحلم في صدور المعلمين وهجا من علم يدلقونه زلالا بين أيدي مريدينهم، وفي صدور كل الراكضين بمقاصدهم من باب البيت لساحات المدرسة، والفرن، والحانوت، والمنجرة، والمرسم، والمطعم، والبقالة، والمشفى، والمصنع، والمؤسسة، والجامعة، والمركز، والوزارة، والمعهد، و..، و..
حيث يعملون، ويتفاعلون، وينتجون، ويضيفون، ويعطون، ويأخذون..
ويعودون من ثم في آخر النهار مطمئنين بصغير همهم، أو كبير طموحهم لبيوتهم..،
وما كان من الهموم الكبيرة يحملها الكبار على اختلاف أدوارهم،..؟!!
هل انطوى الزمن الجميل بقلته، وبعوزه، وببساطته، وبعفويته، وبفقره، وبيسر عيشه، وبعسر وسائله لكنه بكثير نقائه، وبمزيد أمانه، وبكل سلمه وسلامه، ليحل بعده هذا الزمن الناري الفاتك فيه الإنسان، المستأسد فيه طغيانه، المتمرد فيه جهله، وغباؤه، المهيمنة فيه غاياته، وأطماعه، الميتة فيه مشاعره، المتثعلب فيه ضميره..، ليقلب فيه على البشر حمم بركانه..؟!
يسلبهم الطمأنينة، ويقض مضاجعهم دون الهدوء، ويمزق أنسجة السلم بينهم، ويشوه عليهم مساراته..؟!
أتدرين..؟
ما الذي يبدأ به المرء صبحه غير متابعة أحداث الفتك، والقتل وتداخل الأصوات، وغلبة القلق..؟!
ما الذي تنشره بين عينيه اللاقطات غير دمار يُنتشل منه الأطفال، وتُصطف عنه الجنائز، وتنوح لبؤسه الحمام..؟
ليس هذا الزمن جميلا.. يا نوارة لإنسانه..
فلا طعم فيه لرشفة حليب.. أبيض كأيامكِ..،
ولا نقاء فيه لانبثاق ضوء كالذي كان في صبحكِ..،
ولا طعم فيه لحلوى كالتي تعدينها بعد العصرِ نتحلق حول طبقها..،
ولا مذاق فيه للقمة من رغيف تعجنينه بعرق حنانكِ...
لا هدوء يا نوارة يعيشه البشر من حولنا..
لا هدوء من ثم يعمر أركان نفوسنا..
قلقون على البشرية، متألمون لآلامهم..،
وقد تركت لأجلهم «الينسون» في مكمنه..،
وذهبتُ يا نوارة ألقي السلام على الياسمين حيث هو هناك تحت الأنقاض..!!.