د. خيرية السقاف
في بادرة مميزة رأى الرئيس الأندونيسي أن يقر إيقاف العمالة من بلاده عن العمل في بلاد خارج وطنهم، والسبب الذي ارتكز عليه ذو بعد مهم، وهو رغبته في الحفاظ على كرامتهم، وعزتهم..،!
وهو سبب منطقي، ونبيل، بل هو إحدى دعامات البنية النفسية لمواطنيه، ودعم طموحهم في العمل في حرف تزيد من تنمية بلادهم، وتعزز استقلالية الفرد منهم داخل مجتمعه..
ومع أن العامل الأندونيسي له مكانة مميزة في الخدمة المخلصة طيلة فترات التحاقهم بها في بيوتنا، وبين أهلنا، وأطفالنا، وقد أصبح أكثرهم جزءا في الأسرة التي يعملون فيها، سواء سائقين، أو ربات بيوت، إلا أن الهدف من إعادتهم لبلادهم هدف راق، وقيَمي لا أحسب أن أحدا مخلصا في توجهه الفكري نحو كرامة الإنسان يرفضه، بل يفرح به، ويؤيده..،
وإن كانت آثاره السالبة إن نفذ، ستعود على المجتمعات التي استفادت، واعتمدت على العمالة الأندونيسية عقودا، وعقودا بالخسارة بأي نوع تكون..
باستثناء الحالات السالبة التي وقعت من الطرفين، واستحقت العقوبة سواء من الكفيل، أو المكفول.. في بلادنا تحديدا، فإنها لا تقارن أبدا بما بين الطرفين من تبادل الاحترام، والمحبة، والتقدير..
إن أندونيسيا بلد مسلم، و له جذور علاقة وطيدة تمتد بيننا، وبينهم،..
هم شعب طيب، وأناس باذلون، يرضون بالقليل، بينما يبذلون الكثير..
إن فكرة رئيسهم دعتني لاستشفاف أننا ربما حان الوقت لأن نعيد النظر في منهج التعامل مع حاجات البيوت في مجتمعنا،..
ربما نحتاج إلى بيوت أصغر حجما، وإلى تعاون جماعي في توفير خدمة الأفراد فيها،..
ربما نحتاج إلى ملابس أقل عددا، ولأثاث يتقلص عن كثرته، ولأدوات مطبخ تُختصر إلى حد كبير..
ربما نحتاج إلى نظام غسيل، وتجفيف، يختلف، بل تدفئة، وتنظيف..
ربما نحتاج إلى تدريب أنفسنا على الاعتماد الذاتي في خدمتها..، وخدمتنا..
ربما أيضا نحتاج إلى اختصار عدد حجراتنا، ولنعود نلتم قليلا إخوة، وأخوات قبل أن تفرقنا دروب الحياة..!!..
ربما أيضا نحتاج إلى الاستغناء عن الحدائق الواسعة، والمخازن المتعددة الأغراض، بل السيارات، ومواقفها..
ولأننا لم نتعود بعد على نماذج جديدة،.. وأسلوب حياة آخر.. فإن علينا الموازنة بين أنماط البشر الذين نفتح لهم بيوتنا، ونوغلهم في صغائرنا، فقط لأننا لم نتعود خدمة أنفسنا..
بعد أن فردنا البُسط، ومددنا الأيدي، وغرقنا في الكثرة..، واتكلنا على وسائدنا، وعلى زنودهم..!
على أية حال، إن نفذ الرئيس الأندونيسي فكرته، وتحقق أن أوقف المستجدين، وسحب الموجودين من عمالة بلده، فلسوف نفقد أخوات أخلصن لنا ما أوفيناهن حق الوفاء، وإخوة صدقوا معنا ومع أبنائنا لهم جل التقدير..
ولسوف نحزن كثيرا على فراقهم.. لكن سندعو مضاعفا لهم.