د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
**وهن عظمه فاتكأ على إرادته معنيًّا بشؤون أمته وتفقد أصفيائه وتواصلِ منتداه، وسأله صاحبكم يومًا: ما الذي وجده الأطباء فيك؟ فقال: لم يجدوا شيئًا! وبلغة المطمئن كانت ردة الفعل؛ فالحمد لله ألا أمر يؤرّقُ بشأن صحتك، وبحزم العالِم جاء رده: هنا المشكلة؛ ليتهم وجدوا؛ فلو عرفوا المشكلة لسهل الحل.
**جانب من شخصيته الجادة المحاكِمة، حتى كنا نرتب كلماتنا قبل التفوه بها، إذ لا يفوتُه دقُّها وجِلُّها وربما استعاد ما نحكيه مستوثقًا ومراجعًا ومتداعيًا مع ما يثبت له بالبرهان المتوج بالبيان.
** غادر الجامعة غير آسفٍ على ترقياتٍ لم يحققها أو مناصب هو سيّدها؛ فكذا انعتق من إسار التقليد والتقاليد مؤثرًا أحكام عقله الذي اتسع لغير « الكيمياء» فعرفناه أديبًا، مفكرًا، متعددًا، مدافعًا عن الحق الذي يراه بصلابةٍ واعتداد.
** جمعتنا وعائلتينا يومًا مسرحية (ملوك الطوائف) لمنصور الرحباني في كازينو لبنان دون أن نلتقي واستذكرناها لاحقًا فتجددت بها أوجاعُه العروبيةُ؛ فالتأريخ لم يحترم أمس من عثا بوحدتها ولن يحترم اليوم وغدًا من يعبثُ بوجودها وحدودها، وكان يسألُ - في شهوره الأخيرة - عمّا يجري من أحداثٍ في الجوار متألمًا، وأحسسنا ألا طاقة له بمتابعة الجنون المحيط بنا حتى صرنا نقرأ الأندلس أندلساتٍ والأوطان مستلَباتٍ والمعتمِد معتمِدين.
** كان يبحث عمن يحب قبل أن يبحثوا عنه فجمع الوفاء والكرم، وربما نظم لقاءً خاصًا كي يدعوَهم إلى غداءٍ أو عشاءٍ أو فطورٍ رمضانيٍّ، ويتفقد منتدِي أحديته ويعتبُ حين ينأى العهد وكان الاعتذارُ منه أو عنها عسيرًا، وخصصنا (صديقُه وتلميذُه الدكتور عبدالعزيز الواصل وصاحبكم) وقتًا مغربيًا شهريًا لزيارته منفردَين غالبًا عدا التقائهما (المبارك والواصل) في دورية ثلاثائيةٍ منتظمة تجمعهما منذ عقود.
** العقل الراشد كان العنوان? الذي اصطفاه صاحبكم لفقيدنا في كتابه (إمضاء لذاكرة الوفاء) وقال فيه: «لا تحتاج لأن تعرفه كي تألفه، غير أنك تحتاج إلى أن تقرأه كي تدرك عمقه، وتستمع إليه لتتبين مبدئيته، تأخذ قضاياه - حيث يؤمن بها - مدىً معرفيًا ذا إطار ومسار، لا يقبل المهادنة حوله أو التنازل عنه، ولديه مقدرة على أن يجعل مخالفه يعيد التفكير في مواقفه؛ فأبو بسام هادئٌ، متريث، مثلما هو ممتلئٌ، متمكن، يملك القدرة على الإقناع كما الإبداع مع الإمتاع... إمضاء - ص 91-92- جداول - 2011م»
** رحم الله أستاذنا الكبير الدكتور راشد المبارك وأحسن الله عزاء ذويه وجبر كسر حبيبنا بسام الذي لم يغلق بعد بيت عزائه بابنه حفيد الفقيد الشاب حمد بن بسام ابن راشد المبارك فامتد الألم بالأب بعد الابن فدُفن الجدُّ بجانب الحفيد؛ تقبلهما الله في عليين.
** الحياةُ فوارقُ توقيت.