د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** خلالَ فترةٍ مبكرةٍ من شبابنا كانت الإذاعةُ تبث برنامجًا قصيرًا لعله يوميٌّ للأمير الراحل فيصل بن فهد رئيس رعاية الشباب حينها؛ عنوانُه (مع الشباب)، ويذكر أنه استمع إلى حلقاتٍ منه وإن لم يذكر شيئًا فيها أو عنها لكنه وعى رسالةَ المسؤول منها؛ فالرعايةُ ليست للرياضةً فقط ، كما ليس كلُّ الشباب مهمومين بالمستطيلات الخضر.
** وفي وقتٍ متزامن بثت الإذاعة- بالتعاون مع رعاية الشباب كذلك- برنامجًا أسبوعيًا مدته ساعة واسمُه (سهرة من نادي) يحوي الخاطرةَ والقصيدة والتمثيلية والموهبة والأغنية والمونولوج ونظائرَها، وكان معدُّه ومقدمُه الأستاذ الراحل علي عبدالله آل علي، وشارك فيه صاحبُكم حين سجل حلقتين من مسرحي ناديي «العربي والنجمة في عنيزة» بصفته مذيعَ الاحتفالين أو السهرتين الثقافيتين ووقتها كان طالبًا في المرحلة الثانوية، وربما سجل في سيرته كونَه من القلة الذين خدموا ناديين متنافسين في وقتٍ واحد، وما يزال يراهما ناديًا واحدًا ويتمنى اندماجَهما ، وليت من يعالجون معضلة التعصب الرياضي يدركون أن ما تفرقه الأقدام قد تلُمُّه الأقلام والأفهام.
** تبدلت الأدوارُ وتغيرت الوسائطُ وباتت الرياضةُ مسيطرةً ومتصدرةً، وما الظنُّ أن للشباب اليوم برامجَ خارج مسارات الملاعب ، وربما أدى فصلُ الأعمالِ الثقافية عن الرئاسة وإلحاقُها بوزارة الإعلام إلى اختصاصها بالرياضة وحدها؛ فلا لومَ عليها بل على اسمها، ولعل هذا يفتح استفهامًا حول غياب الشباب عن الواجهة الرعائية؛ فإن لم تكن كرويًا وليست لديك اهتماماتٌ أدبية فلا منابرَ أمامك سوى المنابرِ الافتراضية في العالمِ الرقمي، وبخاصة بعدما تضاءل النشاط غير الصفي في التعليم العام والجامعي وبات التخوف من الانضمام إلى جماعات مؤدلجة هاجسًا أمام المسؤول التربوي كما الأمني .
**قد نجد في المنطق «الصُّوري» للثقافة المؤمنِ بعدم التمايزِ بين الجماعات والأعمار والوسائط والبيئات ما يمكن عدُّه مبتدأ تجسير المسافة ببن النُّخب والشباب عبر المستوى الرسمي والشعبي فلا تعاليَ ولا امتيازاتٍ ولا مسافات، وهو ما يعني إعطاءَ الشباب - مهما كانت مستويات ثقافته وتأهيله - قيمةً خاصةً لا يفترقون فيها عن الأساتيذ والشيوخ.
** العمرُ لا يعوقُ الكفاءةَ ولا يُحجِّمُ الكفؤَ، وفي تأريخننا كما تأريخ العالم نماذج قياديةٌ شابةٌ متفوقة جعلت باحثين يُعنون بمنهج القياس التأريخي لتحديد خصائص النبوغ لدى أولاء منطلقًا لدراسة أسرار العبقرية، مثلما اتجه بعض المفكرين إلى عدِّ التأريخ مجموعة سيرٍ شخصية متميزة تحكي حياة أناسٍ عظماء أكثر من كونه أحداثًا ودولًا وهزائمَ وانتصارات، وفي قراءة عقول شبابٍ بمستوى «أسامة بن زيد ومحمد بن القاسم ومحمد الفاتح»- وهم أسماءٌ معلومةٌ للخاصة والعامة- يستيقظ الأملُ في رسم مسار قياداتٍ طلائعيةٍ تواجه المدَّ الصهيونيَّ والصفويَّ وتوفرُ للأمة مساراتٍ علميةً وماديةً تهيءُ لها الانبعاثَ الذي طال انتظارُ فجره، والمثل يتكررُ في القضايا المفصليةِ الأخرى.
** العمرُ رقم.