د. محمد بن يحيى الفال
لعل أوضح نتيجة تمخض عنها انقلاب الحوثيين في اليمن هي أنه لم يبق شكا لدى الجميع بأنهم أمام عصابة مسلحة سيطرت على عاصمة دولة بقوة السلاح بعقلية العصابة التي تتخذ من البلطجية أو البلاطجة كما يسميهم الإخوة في اليمن، أدوات لتنفيذ مخططها بالانقلاب الذين أسموه كذباً وزوراً إعلاناً دستوريا، سقطت آخر ورقة توت كانت تتستر من ورائها جماعة الحوثي..
..، ويلاحظ فكر العصابة في أفعال الحوثيين من نهب لمعسكرات الجيش اليمني، إلى نهب بيوت معارضيهم السياسيين وأخيراً نهب مقرات السفارات التي أخلت مقراتها، وغادر بعضها اليمن والآخر في طريقه لذلك بعد تدهور الوضع الأمني على خلفية انقلابهم، إضافة لخطف السياسيين والصحفيين، ويتفق غالبية اليمنيين بأن الحوثيين يكذبون كما يتنفسون وينقضون ليلاً أو ربما ظهراً أو عصراً ما اتفقوا عليه مع من كانوا يعتقدون بأنهم شركاؤهم السياسيين صباحاً، وكان واضحاً أنهم أحسوا أو على أقل تقدير أن خُيل لهم بأن بمقدورهم حكم اليمن بمفردهم و بأن زمام الأمور قد آلت إليهم وأن السلطة أضحت تحت قيادتهم، تناسوا في غمرة نشوتهم باستقالة الرئيس الشرعي لليمن عبدربه منصور هادي، أن اليمن لا يمكن أن يحكم إلا باتفاق الشركاء السياسيين ومن خلال المبادرة الخليجية التي هي الحل الأمثل لإخراج اليمن من أزمته السياسية، ولم تكن المبادرة الخليجية مبادرة إقليمية فقط، بل وجدت تأييدا كاملاً من قبل الأمم المتحدة التي خاطب أمينها العام بان كي مون، مجلس الأمن قائلا: إننا نفقد اليمن أمام أعيننا بسبب انقلاب الحوثيين الذي أعاد الحلول السياسية للمشكلة اليمنية للمربع رقم واحد، بينما خاطب المجتمعين في مجلس الأمن ومن صنعاء وعبر الأقمار الصناعية، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر، محذرهم بأن اليمن على مفترق طريق، إما الحل السياسي أو الحرب الأهلية. وإذا ما أصر الحوثيون على انقلابهم الذي رُفض إقليميا، وعربياً، وإسلاميا، ودولياً فإن المؤشرات تنذر بأن اليمن في طريقه لحرب أهلية لن تبقي ولن تذر، حرب جاءت المبادرة الخليجية لدرء حدوثها بمعرفة يقينية من إخوة اليمن في الخليج إن نتائجها ستكون كارثية على اليمن وأهله. اليمن الذي كان قاب قوسين أو أدنى من تفاهم سياسي يجمع كل مكوناته السياسية نحو الاستقرار بانتهاء المرحلة الانتقالية بانتخابات شفافة، ليتمكن اليمن من البدء في بناء دولته التي أنهكتها الصراعات، والتي كانت من نتائجها أن أضحى أغلب سكان اليمن يعيشون تحت حاجز خط الفقر والجوع والمرض، ودخوله لقائمة الدول الفاشلة. وللمراقب فإن الإعداد للانقلاب الحوثي بدت بوادره منذ أن أقرت لجنة الوفاق الوطني اليمنية التي شارك فيها الحوثيون النظام الفيدرالي لليمن المكون من ستة أقاليم، ولم يُمنح للحوثيين في إقليم صعده ممر مائي على البحر الأحمر، وكان مرامهم مينء الحديدة، الميناء الممر الذي يرى فيه الحوثيون رئة لهم لا غنى عنها للتواصل مع حليفهم وسنيدهم الإيراني لمدهم بالسلاح والعتاد. الحليف الذي يبني استراتيجيته في تقويض أمن وسلامة العديد من الدول العربية، من خلال إنشاء دولة داخل دولة، ونرى هذه الإستراتيجية واضحة جلياً في العراق بوجود ميلشيات أبو الفضل العباس وبدر وعصائب أهل الحق التي يقودها الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس والذي يعمل تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني، وكلها مليشيات عاثت قتلاً وتنكيلاً في العراقيين من الطائفة السنية إبان رئاسة نوري المالكي للحكومة العراقية، وكان من نتائج أفعالها الوضع الأمني غير المستقر الذي مازال يعيشه العراق، ومع قول ذلك فهو أفضل بمراحل من الوضع إبان المالكي الذي لم يكن يستنكف عن التصريح بتوجهاته الطائفية الضيقة التي نرى نتائجها الآن على أرض الواقع. الإستراتجية الإيرانية لتعطيل العمل السياسي نراها في لبنان حيث ما زال حزب الله يعطل انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، محدثين فراغاً دستورياً خطيراً لا تُعرف كيف ستكون تداعياته على الوضع الأمني اللبناني الهش أصلا. وهو وضع استنسخه الحوثيون قبل انقلابهم على الشرعية وتقويضهم تشكيل الحكومة لعدة مرات لأسباب واهية، ودلت الأحداث التالية التي انتهت بالانقلاب على ذلك. الحقائق التاريخية التي لا يمكن الجدال بخصوصها تؤكد أن كل من المذهبين الزيدي والشافعي تعايشا في اليمن لأكثر من أربعة عشر قرناً بعلاقات قربى ورحم وسلم مدني بين أتباعهما لم يعكر صفوه كل ما مر به اليمن من أحداث، حتى جاءت إيران والتي ما انفكت تحاول منذ ثورتها في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم نحو تصديرها بكل الأساليب والخدع. فالوضع السياسي في اليمن واضح لكل عاقل منصف من أهله، مبادرة خليجية مدعومة دولياً من أجل إخراج اليمن من مأزقه السياسي عبر المرحلة الانتقالية التي كان مقرراً لها أن تنتهي بنهاية هذه السنة، مع وعود بمساعدات من دول الخليج ودول العالم للدفع بخطط تنموية طموحة تنتشل جزءا كبيرا من اليمنيين من براثن الفقر والمرض، يقابل هذا التوجه الخليجي المنطلق من خوف أخوي صادق على استقرار اليمن ووحدة وسلامة أراضيه، تدخل إيراني نحو إشاعة الفوضى بين اليمنيين بدعمه لانقلاب قام به تشكيل وحيد من المشهد السياسي اليمني، انقلاب رفضته الغالبية العظمى من المحافظات اليمنية والشعب اليمني، وستكون نتيجته إذأصر عليه الحوثيون حربا أهلية لن تبقي ولن تذر، وقوة الساحر الحوثي بدون عقل يديرها سوف تنقلب عليه بعد أن انقلب على الشرعية، وأدخل البلاد والعباد في نفق شديد العتمة والظلام، لا نهاية له، وبخوف حقيقي من نشوب حرب ستكون كل الحروب الأهلية التي تشهدها وتشهدها العديد من الدول العربية سوى مشهد مصغر، لما سوف سيشهده اليمن لا سمح الله من خراب ودمار. المشتغلون العاملون في العمل السياسي يؤمنون بالوصول إلى انفراجات للخلافات السياسية عبر المباحثات، والذين يعملون في السياسة بفكر العصابة كما الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان يبحثون دائماً عن التأزيم من خلال بقاء الوضع على ما هو عليه(Status Quo)، ولا يهمهم هنا إذا كان المتضرر شعبا أو بلدا، فهذا التوجس هو آخر ما في قائمتهم من اهتمامات.