أ. د.عثمان بن صالح العامر
تتربع قضايا الشباب على رأس قائمة القضايا الساخنة الشاغلة لبال الساسة والمفكرين والمصلحين ورجال الأمن والمربين والمنظرين وصناع القرار والمستشارين و.... ليس لأن هؤلاء المراهقين هم الفاعلون الحقيقيون في المستقبل الوطني فحسب، ولكن لأنهم اليوم شريحة اجتماعية لها تأثيرها القوي في الحاضر الجاثم على الصدور، المؤثر في المسار التنموي المَعِيش خاصة في ظل التغيرات التي تشهدها الساحات الوطنية / المحلية، فنحن في عالم معاصر لا يعتد بحدود ولا يؤمن بضوابط ولا قيود للتواصل، ومن هم محل الحديث في هذا المؤتمر أكثر عرضة بالتأكيد من جيل الآباء للتأثيرات الوافدة من الخارج التي تكشف لأبنائنا وبناتنا - على حد سواء- عن حياة شباب آخرين، وتدفع بهم نحو المقارنات، وتختصر أمامها المسافات، وتهدم الحدود والممرات، وفي ذات الوقت تعمق التمايزات والفوارق في النفوس الباحثة عن المعاصرة والتجديد، ولذلك- كما أشرت في مقال الثلاثاء الماضي - فإن هذا المؤتمر الوطني الذي نظمته جامعة أم القرى مشكورة حقه الاهتمام والعناية، وأخذ ما خلص إليه من توصيات قيمة مأخذَ الجد من قبل الدوائر الوطنية ذات الاختصاص والاهتمام كل فيما يعنيه.
* لقد صدر عن المؤتمر ثلاثة مجلدات قيمة جمعت غالبية الأبحاث والدراسات المقدمة فيه، وحتى لحظة كتابة هذا المقال لم أنته بعد من قراءة هذا الزاد العلمي التخصصي المميز، الذي حقه - كما أشرت أعلاه - الاحتفاء به ومراجعة مفرداته من قبل مؤسسات التنشئة الاجتماعية/ الوطنية إذ هي الحاضن الأهم في بناء الشخصية السوية المتوازنة والواعية للمخاطر والتحديات في عالم اليوم.
* تساؤلات وطنية محورية ومفصلية عدة طرحها الباحثون وحاولوا جهدهم الإجابة عنها سواء من خلال أدبيات هذا الحقل المعرفي المهم، أو جراء نزولهم إلى الميدان وسؤال المبحوثين كما هو متبع علمياً في مثل هذا النوع من الدراسات.
* كان للتحديات والمعوقات الداخلية والخارجية التي تؤثر - في نظر الباحثين - في الشعور بالانتماء وتقديم فروض الولاء والطاعة لدى شريحة الشباب خاصة، كان لهذه التحديات حضورها القوي والمباشر، فقد تُحدث عنها بكل شفافية ومصداقية ووضوح، وحظيت بالنقاش والتعليق والسؤال من قبل النخب الثقافية الوطنية التي كانت حاضرة هذا الحدث العلمي المهم.
* لم يستطع أحد أن يدافع عن الإعلام المحلي والعربي والعالمي ذي التأثير السلبي في عقلية الشباب السعودي كغيره من شباب عالمنا العربي والإسلامي؛ فالفضائيات كثيراً ما تتجاوز المهنية والعمل الاحترافي المبني على الحيادية والمصداقية والوضوح لتتلاعب بالمشاعر وتشق الصفوف وتهدم البنيان من القواعد، بل إن قنوات إعلامية معروفة كانت وما زالت تبث سمومها وتثير شكوكها وتنثر شبهها، تأسست ودفعت لها الأموال الباهظة من أجل إثارة الفتنة وزرع الفرقة وإفساد الأوطان.
الشباب السعودي يواجه يوميا سيلاً من الرسائل الإعلامية - المنافس الحقيقي للمؤسسة التعليمية – التي توجه لهم بوصفهم «جماعة مستهلكة» لمختلف السلع المادية والثقافية «الشبابية» التي تصنع في مجملها مظهراً ونمط حياة، على أن رصد مضمون الرسائل الإعلامية، ثقافية كانت أو استهلاكية، لا يغنى عن محاولة التعرف على استقبال الشباب لهذه الرسائل سلبياً كان أو إيجابياً أو حتى محايدا، وهذا ما جهد عدد من المشاركين لدراسته والتوصية حياله.. وقل مثل ذلك بل أشد منه عن العالم الافتراضي الذي لا يستطيع أحد أن ينكر دوره المباشر في بناء الصورة الذهنية سلبية كانت أو إيجابية عن الوطن وحقوقه لدى النشء.
* للمرأة السعودية حضورها الرائع، ومشاركتها الفعلية، ودراساتها المتخصصة التي أثْرت الجلسات، وعمقت التشخيص، وشاركت في وصف العلاج، ولكن قليلة هي الدراسات التي تخصصت في سبر أغوار هذا الموضوع «المواطنة» لدى الفتاة السعودية.
* هناك غياب ملحوظ وغير مبرر في نظري لعدد من الجامعات العريقة في المملكة العربية السعودية - فضلاً عن الناشئة - عن هذا المؤتمر، وحتى تاريخه لا أجد حجة أو ذريعة أقنع بها نفسي فضلاً عن القارئ الكريم وأجعلها سبباً لهذا الإحجام، فاللجنة العلمية للمؤتمر لم تقصر في توجيه الدعوة لمن يرغبون في المشاركة، واستطاعت أن توظف جميع وسائل الإعلام والإعلان ومنذ زمن ليس بالقريب في التعريف بهذا المؤتمر المهم.
* لقد أجاد صاحب المعالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور بكري بن معتوق بكري عساس في كلمته الختامية التي ودع بها ضيوف المؤتمر مشيداً بوطننا المعطاء، ومشيراً إلى أن حب الأوطان مجبول عليه بنو الإنسان، فكيف إذا كان الوطن المحبوب مهبط الوحي وبلد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين في كل مكان.. كيف إذا كان الوطن المملكة العربية السعودية.. هذا البلد الأمين الذي حقه أن نموت في حبه ونعشق ترابه وأرواحنا فداء له.
* ختاماً شكراً لمن فكر وقدر.. لمن نظم وقرر.. لمن دعم ويسر.. لمن شارك وحضر.. لمن شجع واستفسر.. شكراً من الأعماق من القلب المحب لفرسان هذا المؤتمر ونجومه المبدعين بحق.. اللجنة المنظمة، الهيئة العلمية.. كلمات الشكر والعرفان تتقازم، وعبارات التبجيل والامتنان تنهزم إزاء الجهد الرائع والتنظيم المتقن والكرم الفياض الذي حظي به المشاركون والحضور من قبل أشخاصكم واحداً واحداً، من عُرف منكم ومن لم يُعرف، ودمت عزيزاً يا وطني وتقبلوا جميعاً صادق الود والسلام.