أ. د.عثمان بن صالح العامر
هذا هو عنوان مؤتمر جامعة أم القرى، ممثلة بعمادة شؤون الطلاب، الذي انعقد في رحاب هذه الجامعة العريقة نهاية الأسبوع الماضي، وهو - في نظري - من المؤتمرات المهمة والحساسة؛ إذ هو يرتكز على ثنائية مؤثرة في مسارنا التنموي: «الشباب» من جهة، و»المواطنة» من جهة أخرى. ) ومع أن هذا المؤتمر يجب أن يتعدى أسوار الجامعة؛ ليصل إلى جميع المواطنين، خاصة من هم في سن الشباب، الذين يمثلون - كما تقول أكثر الإحصاءات الوطنية - ما يقارب 60 % من المجتمع، فإن الإعلام السعودي قصّر كثيراً في نقل وقائع جلساته التي قُدمت فيها عدد من الدراسات والأبحاث المهمّة، وحظيت بمداخلات ونقاشات ساخنة وصريحة من قِبل أهل الاختصاص والمهتمين بهذا الأمر، سواء أكانوا شرعيين أم تربويين أو إعلاميين أو مثقفين ومفكرين أو من علماء الاجتماع أو النفس أو...
) سرَّني الحضور الشبابي، سواء في عدد من الدراسات الميدانية التي عرض لطرف منها أصحابها في الدقائق العشر المخصصة لكل باحث؛ إذ كانت العينة المبحوثة من المراهقين أبناء الوطن ذكوراً كانوا أو إناثاً.. أو من كان منهم - وهم المعنيون بالمؤتمر - موجوداً فعلياً داخل قاعة المؤتمر طوال اليومين.. ولكن لفت نظري غياب الشباب عن تقديم دراسات وأبحاث ذات صلة بشأنهم في هذا الأمر المهم «المواطنة»، كما أن الدعوة لم توجَّه لطلاب الجامعات السعودية المختلفة وطالباتها والتعليم العام في المنطقة للمشاركة والتفاعل من خلال المداخلات وطرح التساؤلات.. وفوق هذا وذاك، فإن من حضر من طلاب أم القرى اكتفى بالوجود الجسدي، ولم يكن منهم المشاركة والتعبير عمّا يهمهم، سواء حين مطارحة تحديات المواطنة، أو الوطنية حقوق وواجبات، أو الإعلام الجديد وعلاقته بالهوية الثقافية لدى الشباب الجامعي السعودي، أو غير ذلك. ) لقد كان معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور بكري بن معتوق بكري عساس موجوداً طوال ساعات المؤتمر، يشارك ويكرم ويتابع، وهذه من أبرز صفات القائد المتميز، والإداري البارع الذي ينشد النجاح، ويتوق للتربع على قلوب الأتباع، ويطلب من الفريق الذي يعمل معه العمل بجد وتفانٍ وإخلاص خدمة للدين ثم للمليك والوطن.. ولمعاليه كلام جميل، سواء في كلمته التي ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر نيابة عن معالي وزير التعليم راعي الحفل الأستاذ الدكتور عزام الدخيل، أو فيما قال في ثنايا ما كتبه مدشناً كتاب المؤتمر المتضمن للدراسات والأبحاث المحكمة التي تمت الموافقة عليها من قِبل الهيئة العلمية للمشاركة وتقديم العروض، وعددها أربعون بحثاً، تم اصطفاؤها من السبعين التي تقدم بملخصاتها الراغبون في المشاركة في هذا الحدث العلمي المهم. ومن جملة ما كتب: «وحيث تعد المواطنة نظرياً وسلوكياً دعامة رئيسة لوحدة الوطن وتماسكه، فإن ذلك يفرض على مؤسسات المجتمع كافة أن تعمل على تأصيل هذه القيمة وتدعيمها، والوقوف بكل حزم وعزم أمام كل المحاولات التي تسعى إلى بث الفرقة وزرع البلبلة في أوساط المجتمع، ولاسيما شريحة الشباب، وهذا واجب شرعي ومطلب وطني ابتداء «.
) كان لأعضاء مجلس الشورى حضورهم التشريفي في ترؤس الجلسات، وهذا شيء إيجابي يسجل للمنظمين، إلا أن المؤمل من هؤلاء النخب المشاركة الفعلية بدراسة متخصصة؛ فهم قد يكون بمقدورهم الوصول للمعلومة وإجراء الأبحاث العميقة أكثر من غيرهم، ولأسباب عدة، لا تخفى على ذي اللب.
) كانت التوصية العشرون - وهي الأخيرة - من توصيات المؤتمر انعقاد هذا المؤتمر الذي يدرس هذه الإشكالية ذات البعدين الأساسيين في حياة الشعوب ومستقبل الأمم «الشباب» و»المواطنة» سنوياً، في رحاب جامعة أم القرى، على أن تحظى التوصيات جميعاً التي تُليت في الجلسة الختامية للمؤتمر بالاهتمام والمتابعة؛ حتى لا تبقى حبيسة الأدراج، ولا يكون لها أثر في الواقع الوطني المعيش، وهذا هو المهم في هذه الفعاليات العلمية المهمة.
) معالي وزير التعليم.. إننا بحاجة إلى تعزيز ثقافة المشاركة الفعلية في المؤتمرات الداخلية والخارجية لدى أعضاء هيئة التدريس وطلاب وطالبات الجامعات السعودية، كما أن الآلية المتبعة حتى تاريخه لحصول الأكاديمي المتخصص في جامعاتنا السعودية على موافقة مرجعه لحضور مؤتمر أو ندوة أو ورشة عمل أو حلقة نقاش ذات صلة مباشرة بتخصصه ومجال اهتمامه آليةٌ معيقة، وقد تتسبب في إحجام الكثير عن المشاركة؛ ومن ثم يُحرم المجتمع الأكاديمي من عطاء هؤلاء العلماء أهل الذكر في فنونهم المعرفية المتنوعة. ومعاليكم الكريم ينتظر منكم المجتمع الأكاديمي - وأنت الحامل لسلاح التطور والتحديث والمنعتق من البيروقراطية القاتلة - إعادة النظر مشكوراً في مثل هذه الآليات التي يشكو منها الجادون في البحث والدراسة.. دمتم بخير، وإلى لقاء. والسلام.