يتحدث الأكاديميون أهل الاختصاص عن أن للتنمية أضلاعاً ثلاث «الحكومي والخاص والأهلي التطوعي»، (ويطلق على القطاع الثالث هذا أسماء عديدة بحسب المنطلق الثقافي والبيئي, فهو قطاع تطوعي أو غير حكومي، أو قطاع غير هادف للربح، وهو أيضا القطاع المستقل أو القطاع الثالث ويسمى أيضا بالاقتصاد الاجتماعي والقطاع الخفي أو الجمعيات الخيرية العامة)، كل هذه الأسماء تطلق للدلالة على مساحة النشاط الاجتماعي، والممارسات العامة والفردية والمؤسسية خارج نطاق القطاعين الحكومي وقطاع الأعمال الموجهة للصالح والنفع العام.
وفي محاولة لوضع تعريف موحد وتوحيد تصنيفه تبنت جامعة «جونز هوبكنر» بالولايات المتحدة الأمريكية مشروع بحث مقارن استطاع الوصول إلى تعريف واحد أساسه «بنية المؤسسة وعملياتها»، ووضع تصنيفا لمؤسسات هذا القطاع وأسماه «التصنيف الدولي للمنظمات غير الربحية» حيث عرف القطاع الخيري غير الربحي بأنه: (مجموعة من المنظمات ذات الطبيعة المؤسسية, والمنفصلة عن الحكومة والتي لا توزع أرباحا والحاكمة لنفسها والتي تقوم على التطوع المحض).
والقارئ في سيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يلاحظ قربه من الثلاثة جميعاً واهتمامه بها على قدم المساواة، فهو لم يكتفِ في القطاع التنموي الثالث -محل الحديث- بدعمه مادياً بل كان من المسابقين المبادرين المحفزين للانخراط به والعمل على تطويره وضمان فاعليته المجتمعية بقوله وفعله طوال نصف قرن أو يزيد، والأمثلة في هذا الباب أكثر من أن تحصى وتعد، والشهادات والأحاديث والحوادث والبراهين تدلل على ما سبق وتؤكد ما قيل، ولذا لا عجب أن يكون منه (رعاه الله) هذا الدعم السخي للعمل الخيري والجمعيات المسجلة رسمياً في وزارة الشئون الاجتماعية، فضلاً عن منح المتقاعدين والمعاقين ومستفيدي الضمان الاجتماعي مكافأة راتب الشهرين حالهم حال موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين وكذا الطلاب والطالبات.
إنني شخصياً وأنا قريب من العمل الخيري الأهلي المهم أعتقد أن هذا القطاع الذي يشكو الحال تنظيمياً وتشريعياً، مادياً وبشرياً، سينال اهتماماً كبيراً في عهدنا الجديد بصورة لم يسبق لها مثيل، وذلك راجع إلى عدة أمور أهمها:
* شخصية خادم الحرمين الشريفين وقربه من العمل الخيري/ الأهلي قناعة منه -حفظه الله- بالمسئولية الدينية عن ذوي الحاجة والعوز، وشعوراً بالواجب الوطني إزاء الطبقات المحتاجة في المجتمع « الفقراء والمساكين وكبار السن والمعاقون ومجهولو الأبوين ومن في حكمهم»، حتى قال فيه أهالي الرياض وأعيانها: «إن له عينين، واحدة على النهضة والتطوير، وأخرى على الأعمال الإنسانية» .
* ضخه -رعاه الله- في مجلس الوزراء والوزارات السيادية المؤثرة التي تملك مفاصل القرار الوطني دماءً جديدةً شابةً، هذه القيادات الجديدة تعي جيداً أهمية توازن أضلاع التنمية الثلاثة، ولديها معرفة واسعة بالدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني في العالم المتقدم.
* النص على عضوية معالي وزير الشئون الاجتماعية في مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية الذي يشرف بترؤُس صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع رئيس الديوان الملكي المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين له، وكلنا يعرف دلالة ربط مفردة التنمية بالاقتصاد في هذا المجلس المؤثر والمهم الموكل له رسم خارطة الطريق لمسارنا التنموي في القادم من أعوام بإذن الله ويُدْرِكْ.
* تعيين معالي الدكتور ماجد القصبي وزيراً للشئون الاجتماعية صاحب الدراية والخبرة الواسعة في هذا المجال وما ماثله، القريب من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الفترة الماضية، والمحب لهذا المجال الخيري منذ نعومة أظافره بحكم انتمائه لعائلة محبة للخير وحريصة عليه.
* حاجة هذا القطاع إلى كثير من الجهد، فهو في إطاره العام يعاني ضعفاً واضحاً تحدث عنه وعرض لشيء من الحلول الناجعة والمعالجة جمع من الأكاديميين والباحثين المنتمين للعمل الخيري التطوعي وما زال الجميع ينتظر القرار السيادي الذي ينهض ويطور العمل الخيري في المملكة العربية السعودية ويسن التشريعات ويضع اللوائح المنظمة والضابطة لهذا القطاع التنموي المهم ويعزز وجود مؤسسات المجتمع المدني وفاعليتها في المجتمع السعودي بشكل علمي مدروس، دمت عزيزاً يا وطني، وألقاكم على خير، وتقبلوا جميعاً صادق الود والسلام.