وطني الحبيب، قيادة وشعباً، أمراء وعلماء، رؤساء ومرءوسين، ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغارًا، شباباً وشيباً..
إني معزيكَ لا أنِّي على ثقة
مِنَ الخُلودِ، وَلكنْ سُنَّة ُ الدِّينِ
فما المُعَزِّي بباقٍ بعدَ صاحِبِهِ
ولا المُعَزَّى وإنْ عاشَا إلى حَينِ
# رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي انتقل إلى دار البرزخ (القبر) في الثلث الأخير من ليلة الجمعة، فصار العالم الافتراضي منذ الإعلان الرسمي عن الوفاة، بل قبل ذلك بساعات، محراب دعاء، وعنوان عزاء، ولم يتوقف حتى لحظة كتابة هذه السطور، نقل لنا هذا العالم الغريب صوراً مبكية، وعرّفنا بمواقف مفرحة - رواها لنا من عايشها لحظة بلحظة حين مصاحبته لفقيدنا الغالي عبد الله بن عبد العزيز - وأسمعنا قصائد ومراثي موجعة.
آه.. كم كنت عظيماً أبا متعب، امتلأت القلوب بحبك، ولهجت الألسنة باسمك، وارتفعت الأكف دعاء لك، طبت حياً وميتاً أيها الرمز الأبي والعنوان الذي لا يموت وإن رحلت عن دنيانا إلى عالمك الجديد، فصنائعك وبصماتك وأفعالك وإنجازاتك ستبقى شاهدة على حياتك في قلوب الملايين..
سيذكرك كل حاج ومعتمر حين تطأ قدماه أرض الحرمين الشريفين.. سيذكرك الراحلون منا إلى أقاصي الدنيا طلباً للعلم.. ستذكرك الجامعات.. المستشفيات.. الطرق.. المحاكم.. الصغار وهم يتلقّون أول دروس الحياة.. لن يحتاج أحد منا أن يقرأ ما قاله الكتّاب والمحللون، أو أن ينظر في صفحات عطائك وميادين أعمالك ليذكرك؛ فقلوبنا التي بين الحنايا لن تنساك.
# شجرة آل سعود دوحة مباركة ثمارها يانعة ونفعها كبير، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تأمل كيف هي وهي تجتمع في المسجد للصلاة على فقيد الأمة وقائد الوطن الرجل الإنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات.. وهي في مقبرة العود.. وهي تعزي بعضها البعض.. وهي تستقبل الوفود والمواطنين الذين جاءوا من كل حدب وصوب ليقدموا واجب العزاء ويمدوا الأيدي مبايعين ومجددين عهد الولاء والطاعة، والسمع والاستجابة في المنشط والمكره والعسر واليسر.
# أما عن الشعب السعودي، فقد أظهر لحمة وطنية رائعة، ونسيجاً اجتماعياً متماسكاً، بنياناً مرصوصاً يشد بعضه بعضاً، جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، حاول المغرضون الأفاكون اختراقه والتأثير فيه ونشر المقاطع المتربصة والطامحة للفتنة، وزرع الفرقة فكان لها بالمرصاد.
# أما عن الوطن فصورة أخرى وهو يودع قائده، وهو يلتحف بالصمت لحظة مشهد الجنازة المهيب، وهو يستشعر مرارة الفراق وعمق الجرح وعظم الحزن على وداع القائد الرمز والإنسان الفذ عبد الله بن عبد العزيز.
# أكتب هذه السطور وأنا في طريق عودتي لحائل بعد أن امتدت يدي هذا المساء معزياً ومبايعاً بقصر اليمامة في العاصمة الرياض، وسط حشد من الوفود الرسمية والشعبية، وبحضور جمع غفير من المواطنين وحزن شديد، قراءته جلياً واضحاً في محيا خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد وسمو وولي ولي العهد، وأصحاب السمو الملكي الأمراء أبناء عبد الله بن عبد العزيز الذين اصطفوا لتلقِّي تعازي الوفود، وفي مساء أمس الأحد 5 / 4 / 1436 للهجرة، عزينا سمو أمير المنطقة وسمو نائبه، وجددنا عهد الولاء والطاعة في بيعة الإسلام الشرعية المعهودة.
# لقد أوصانا - رحمه الله - بالدعاء له وهو في حياته إيماناً منه بأنه يستمد العون والمدد، بعد عون الله وتوفيقه، من شعبه الذي عاش له ومن أجله وفي سبيل مجده وعزه، وهو اليوم وقد ووري التراب في قبره تحت الثرى، أشد ما يكون حاجة للدعاء له بالرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى في الجنة.
# حفظ الله بلادنا وأدام عزنا ووحّد كلمتنا وأعان ووفق وسدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز، وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز والأسرة الحاكمة. وسلمتم لها أيها الرموز الأبية والعناوين الوطنية المجيدة وإلى لقاء والسلام.