منذ بداية وعينا ونحن نُتخَمُ يومياً بالقراءة والكتابة عن القدس، عن مكانة القدس الشريف والتعريف بأهميتها التاريخية والجغرافية والدينية... وقد جرى استصدار عشرات ومئات القرارات والتوصيات الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية بشأنها، التي لم تشق أي منها طريقها للتنفيذ بعد... وأسست مراكز الأبحاث والدراسات للعناية بالقدس تاريخياً وجغرافياً ودينياً وسياسياً وقانونياً... ولكن كل هذا الجهد لم يثمر وذهب هباءً منثوراً... لم يغير شيئاً قيد أنملة من وضع القدس التي أصبحت عليه منذ وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في الخامس من حزيران للعام ألف وتسعمائة وسبع وستين، ولم يستطع تعطيل عجلة التهويد ومصادرة هويتها العربية والإسلامية، فعجلة التهويد تجري على قدم وساق، وترصد لتنفيذها الميزانيات اللازمة لتحقيق أهداف وأغراض هذه السياسات والاستراتيجيات الجهنمية على كل المستويات السياسية والاقتصادية والسكانية والعمرانية، فالفعل في شأن تهويد القدس بالنسبة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي يسبق الإعلان عنه، فالحقائق على الأرض هي التي تتكلم عندهم وليست المقالات والخطابات والقصائد والقرارات... يكفي أن نذكر هنا على سبيل المثال ما رصده الممول اليهودي الصهيوني الأمريكي مسكوفيتش الذي التزم بالتبرع بستة عشر مليار دولار أمريكي لدعم الاستيطان في القدس ولدعم سياسات تهويدها... هذا عدا عن الموازنات الرسمية الإسرائيلية التي ترصد سنوياً لهذا الشأن، ونحن نقابل كل ذلك ببيانات الشجب والإدانة التي لم تستطع أن توقف سياسات التهويد الجارية لطمس الهوية العربية وتدنيس المقدس في القدس الشريف...
لماذا القدس؟!
لماذا كل هذا الاستهداف لهذه المدينة المقدسة؟ لن نجد صعوبة في الإجابة عن هذه التساؤلات المشروعة وغيرها، فالقدس بالنسبة لفلسطين بمثابة الروح من الجسد، فمن يمتلك القدس سيمتلك فلسطين، ومن لا يمتلك القدس لن يمتلك فلسطين، فالمعركة اليوم هي معركة القدس قبل أي قضية أخرى...
لقد جرى تبرير الحروب الصليبية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين بهدف السيطرة على القدس، كما يجري اليوم تبرير الغزوة الصهيونية الاستعمارية الحديثة أيضاً بالعودة إلى القدس والسيطرة عليها...
لقد أدرك الفلسطينيون والعرب والمسلمون أهمية ومعنى القدس، فهل سيدركون ما يتوجب عليهم فعله إزاءها؟! لمواجهة سياسات الاستيطان والعزل والتغيير الديمغرافي والتهويد الذي تواصل تنفيذه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مستوى مدينة القدس ومحيطها الفلسطيني...
يجب أن يجري تجاوز سياسات البيانات والقرارات والتوصيات العربية ((غير التنفيذية))، وأن ننتقل إلى وضع سياسات واستراتيجيات تنفيذية، ترصد لها الموازنات اللازمة لكسب معركة القدس، تبدأ من القدس وفي القدس أولاً، وتتمثل في دعم وتثبيت الإنسان المقدسي في القدس، للصمود في تلك المدينة المقدسة والحفاظ على هويتها العربية والإسلامية وإفشال مخططات التهويد الجارية بحقها... فلا قدسَ ولا مقدسات بدون مقدسيين مؤمنين عرباً مسلمين ومسيحيين، ومن هنا تبدأ خطة المواجهة.
فانتفاضة أهل القدس الجارية منذ الصيف الماضي تقول ((القدس في خطر)) - ((وإسرائيل تواصل سياسة إرهاب الدولة بحق المقدسيين))، وقد جاءت بمثابة دق لناقوس الخطر يكشف عما وصلت إليه حالة القدس جغرافياً وديمغرافياً واقتصادياً وسياسياً جراء سياسة المحتل الإسرائيلي في شأن تهويد القدس وفي شأن معركتها المصيرية التي هي معركة فلسطين ومعركة الأمتين العربية والإسلامية، فالقدس تستحق منا أن نعمل أكثر لأجلها، وليقوم الجميع منا بمراجعة (أقواله وأفعاله من أجل القدس)، وأن يطرح على نفسه سؤال، ما العمل من أجل القدس والحيلولة دون تهويدها؟!
فهل وصلت صرخة القدس والمقدسيين إلى مسامعنا؟ وهل أيقظت ضمائرنا وعزائمنا لكي نعمل أكثر من أجل القدس؟ وأن ننتقل بمواقفنا وأفعالنا من ردّ الفعل إلى ساحة الفعل الحقيقية؟