عبر التاريخ نجد كثيرًا من القوى والفئات قد أسبغت على صراعها مع البعض الآخر ستارًا وغطاءً وبعدًا دينيًا وهالة قدسية لتغطي به على حقيقة أهدافها البعيدة كل البعد عن الدين، فالدين بريء مما يرتكب باسمه من حروب وجرائم وإرهاب، وإنما يجري توظيفه للتضليل والتحشيد للفئات البسيطة من المؤمنين وتوظيفها وزجها في أتون الصراع الدائر بين القوى المتنازعة والمتصارعة على السلطة والنفوذ والمصالح المختلفة.
إن تسييس الدين وتوظيفه في الصراعات السياسية والمذهبية هو الذي يدفع للتعصب الأعمى، ليقابل التعصب بمثله، وتدب الفتنة باسم المذهب أو الدين أو الاعتقاد والأمر في جوهره لا يعدو عن تحقيق مصالح وغايات بعيدة كل البعد عن الدين وعن الاعتقاد وحتى عن المذهب والطائفة، والأمثلة على ذلك في تاريخ الصراعات كثيرة، لا تعد ولا تحصى حيث وظف الدين فيها دائمًا في غير محله، ألم ترفع الحروب الصليبية الصليب المسيحي شعارًا لها؟!!
فقد وظف الصليبيون الدين المسيحي شعارًا ليغطي على أهدافهم الاستعمارية للبلاد العربية والإسلامية سواء في الشام أو مصر أو في بلاد المغرب العربي، ألم ترفع النازية الألمانية الصليب المعكوف شعارًا لها؟!! وهي التي قتلت عشرات الملايين من المسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس وغيرهم؟!! هل صحيح أن النازية حاملة شعار الكاثوليك كانت تهدف إلى تعميم ثقافة واعتقاد الكاثوليك؟! كلا إنها كانت تسعى إلى بسط السلطان والنفوذ الألماني على أوروبا والعالم إلى آخره من المصالح المتصارع عليها في حينه.
فاستخدام الدين في الصراعات القائمة داخل الجماعة الواحدة أو ما بين جماعة وأخرى هو إساءة بالغة للدين وحرف له عن رسالته وتشويه له وللمعتقدين أو المؤمنين به، يجب أن يتنزه الدين عن صراع الفئات والجماعات والقائم على أساس السلطان والهيمنة والنفوذ والمصالح المتعارضة، وبالتالي أن ينسب ما تقوم به هذه الفئات أو الجماعات من أعمال القتل والإرهاب للدين الذي تدين به هذه الجماعات خطأ فادح وجريمة كبرى في حق الدين، يجب أن تنسب مثل هذه الأفعال إلى من يقوم بها من الفئات أو الجماعات أو الأفراد فقط وليس إلى الدين الذي ينتسبون إليه حتى وإن استخدم من طرف هؤلاء الأفراد أو الفئات أو الجماعات الدين كشعار وهدف لها، أن جميع الديانات تنهى عن أفعال القتل والإرهاب والكراهية والازدراء للآخر، واستخدام الدين للأغراض الدنيوية وبسط السيطرة والنفوذ ليس من الدين في شيء وإنما إساءة مركبة للدين، واستخدام سيء الغاية له، وأبعد ما تكون عن غايات الدين نفسه.