لكل زمان رجال، وها هو زمنك يا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد أتى لتسد الهوة التي أحدثها مغيب الملك عبدالله بن عبدالعزيز- رحمه الله-، وليكون ذلك موعداً لنا مع مزيد من الرفعة والتقدم والرقي.
ليس من السهل أن تختصر التاريخ بجمل معينة، ولا أن تقرأ السنوات بكلمات معدودة، لتكتب عن شخصية كشخصية الملك سلمان أيده الله بنصره وعزه.
لقد وقف قلمي صامتاً وجلست أعيد ترتيب أوراق ذاكرتي، لا أعرف كيف أتحدث ولا عن أي جانب سأتحدث !!
إنني أمام قامة عظيمة، إنه صاحب المقام السامي: سلمان بن عبدالعزيز.. سلمان الإنسان، سلمان التاريخ، سلمان الأمير، سلمان الوزير، سلمان ولي العهد، سلمان الملك؛ إنه دولة في رجل.
أخيراً كان قراري أن أتحدث عن الملك سلمان حديث شاهد العيان، حيث أتيحت لي فرصة الالتقاء والتعامل مع هذه القامة التي تركت في ذاكرة كل من التقى وتعامل معها أثراً إيجابياً.
شرفت بلقائه عند تخرجي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أثناء رعايته لحفل التخرج عندما كان أميرا لمنطقة الرياض، ثم التقيته خلال عملي باحثاً تاريخياً في دارة الملك عبدالعزيز لمدة خمس سنوات، وبعد ذلك التقيته عندما حصلت على جائزته لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، وتعاملت معه عن قرب عندما شرفني بأن أكون عضواً في مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز تحت رئاسته المباشرة يحفظه الله ويرعاه.
لم يكن الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي اعتلى يوم الجمعة الثالث من ربيع الثاني سدة الحكم وتولى زمام أمور الدولة أميرا للرياض لأكثر من نصف قرن فحسب، بل كان أميرا لكل منطقة في المملكة العربية السعودية، ووزيراً لكل جهاز فيها، محبا لكل حبة رمل من ترابها، حافظا لأحداثها ومستدركا لتاريخها.
كيف لا يكون ذلك ووالده الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه هو صانع ذلك التاريخ المجيد ومؤسس هذا الكيان الشامخ !!
وكيف لا يكون ذلك، وقد كان الملك سلمان موضع ثقة ملوك هذه البلاد منذ عهد والده الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وحتى عهد أخيه الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى، كان خلالها بحق هو اللسان التاريخي لمملكتنا الحبيبة، وهو الدرع الحصين الذي يذود عنها في وجه أعداء الحقيقة.
لقد مارس الملك سلمان التاريخ هواية ودراية، فهو رئيس لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، والرئيس الفخري للجمعية التاريخية السعودية، ومؤسس جائزة ومنحة سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، وقد خبر الملك سلمان كل ملحمة عسكرية جرت على أرض الوطن ووعى أحداثها ونتائجها، فأعطاه ذلك بعدا تاريخيا وخبرة عسكرية، لذا كان تصدره لوزارة الدفاع كقائد للمدافعين عن هذه البلاد وتاريخها المشرق أمراً طبيعياً.
إن من يحضرمجالس الملك سلمان ويستمع لأحاديثه يجد فيها متعة الرواية التاريخية، ويعيش ويستشعر الأحداث الهامة التي وقعت في عهد الملك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله رحمهم الله جميعاً، حديث المصدر المشارك في صنع الحدث، ومن متحدث يشعرك بقربك منه ومعرفته لك.
إنه ملك الوفاء، وفيٌّ لكل من تعامل معه ووثق به وأوكل إليه مهمة. وفيٌّ مع إخوته ووفيٌّ لوطنه، يتجلى ذلك في موقفه مع أخيه الأمير سلطان- رحمه الله- أثناء رحلته العلاجية حينما لازمه وبقي معه في رحلة الغربة عن الوطن راسماً بذلك لوحة مشرقة ومضيئة تجسد لنا أعلى صور الوفاء. وتتجلى صورة وفائه لوطنه من خلال جهوده وإنجازاته الوطنية التي قدمها، فلم نفتقده يوماً في أي مناسبة تاريخية أو وطنية، ولعل احتفالية مناسبة مرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1419هـ وجهوده الكبيرة فيها تخطيطاً وتنفيذاً خير مثال على ذلك.
وللملك سلمان بصمة جلية في مجال العلم والثقافة والعمل الخيري، فله جهود واضحة في كل صرح علمي وثقافي بالمملكة العربية السعودية، ولعل ترؤسه لمشروع إنشاء مكتبة الملك فهد الوطنية خير دليل على ذلك، ولا أدل على حب الملك سلمان للخير من تأسيسه لهيئة صندوق البر في الرياض سنة 1374هـ، وترؤسه لمجلس إدارة الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام (إنسان)، وترؤسه أيضاً لمؤسسة الرياض الخيرية للعلوم، وكونه الرئيس الفخري للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن بمنطقة الرياض، والرئيس الفخري للمركز السعودي لزراعة الأعضاء ومركز سلمان الخيري لأمراض الكلى، ومركز سلمان لأبحاث الإعاقة، ومشروع جمعية سلمان للإسكان الخيري.
إنه من الصعب جداً تتبع جوانب التميز في سيرة وشخصية الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولعله يكفيه أنه تولى زمام أمور العاصمة السعودية لمدة تزيد على نصف قرن نقلها من مدينة صغيرة إلى واحدة من أكبر المدن العالمية، وكذلك تسنمه لوزارة الدفاع ثم ولاية العهد وتصديه للمهام الجسام بكل حكمة واقتدار.
إننا أمام مدرسة ومنهج في العلم والسياسة والإدارة وأعمال الخير والعطاء، أمام ركن من أركان الدولة.. إنه الملك سلمان: الإداري الحازم، والسياسي المحنك، والمسؤول الفذ؛ لهذا فلا غرابة من اختيار شخصيته المتميزة لعدة جوائز تكريمية ومنحه العديد من الأوسمة والشهادات العالمية لقاء إسهاماته وعطائه، وكان وفقه الله جديراً بتولي قيادة هذه البلاد وصيانتها وحمايتها يحفظه الله ويرعاه.
وبعد، فهذا غيض من فيض، وقليل من كثير، وإشارات ودلالات على المواقف التاريخية لملك الإنسانية، الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهنيئا لوطننا الغالي بكم يا خادم الحرمين الشريفين، يا رمز العطاء الذي لا يعرف الحدود، وأنتم أهل لذلك وفقكم الله وسدد على طريق الحق خطاكم، لتظل كما هي رصينة ثابتة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. نايف بن علي السنيد الشراري - عضو هيئة التدريس بجامعة الجوف